الثقافة النقدية وضياعها في عقلية المتلقي
* همسة: ما أقبح أن يسعى المرء لإبراز نفسه وذاته متسلقًا على أكتاف الآخرين وشهرتهم، لماذا لا نتعلم الابتعاد عن « الأنا ».
الثقافة النقدية زخم معرفي واستيعاب للمعطيات، سعيًا في نوعية المخرجات. إن رقي الثقافة في أي مجتمع تمنحه قابلية كبرى في الاستفادة من الشذرات النقدية، ليتخذها طريقًا في تطوير مخرجاته التي ينشدها ظاهريًا وضمنيًا. وعليه إذا ما ترهلت الحالة الثقافية فيه، فإنه سيكون حجر عثرة باتجاه التطور، كزئبقة لا تعي أين تكمن نافذة الإبداع والتميز، ليدور في ذات الحلقة، وتنفرط السبحة من يديه.
نحن في جزئيات واقعنا لا نتقبل النقد بشقيه السلبي والإيجابي، ولا نمتلك كيفية التعاطي معهما على حد سواء بنسبة وقدرها - لك أن تحدد النسبة كما تراه -، في صالح ما نقوم به. إن لعدم التقبل اتجاهات كثيرة، ومنها: الغرور الذاتي، الاكتفاء الغير مبرر، تجاهل واستغباء الآخر. إن غياب عنصر الدراسة في المعطيات، يجعل من أي مشكلة لا يحالفها التوفيق بحلحلتها، لتنتهي وتظل توأمًا زمنيًا نعايشه ونتعايش معه أردنا ذلك أم لا.
إن عنصر الدراسة يتطلب تفعيل لغة السؤال كثقافة في العقلية، واستخدام كل أدواتها التي أفرزتها اللغة العربية. السؤال ينم عن ذكاء، هكذا يشير علماء التربية، حيث أن الطفل كثير السؤال يعتبرونه طفلاً يتمتع بالذكاء، والذي ينبغي على الأسرة تنميته وإشباعه لديه، ليكن له شأنًا في المستقبل، ويمثل عنصرًا إيجابيًا في مجتمعه ككل. لهذا لابد من احتواء الآخر - من يدلي نقديًا -، لا إقصاءه وتجاهله.
في الثقافة النقدية يتم تناول المواضيع من زاوية تفكيكها لأجزاء، وغربلتها نقاشًا، وهذا لا يعني الإقصاء بالضرورة، فحين يتم النقاش والإشارة لما هو كيف وما، فإنه في سبيل الوصول إلى المغزى الذي يستشرف ضوء الشمس. لا يكون النقد تهجمًا شخصيًا على الكاتب أو المعطيا بقدر كونه إضافة، وتوسيع المادة المطروحة، لعل وعسى تكون المخرجات نوعية. ومن الحقيقة بمكان، نقول: إن النقد عامل فعال في تنمية القدرات والرؤى والطرح، والرائعون في كل الدنيا يرحبون به، بل إنهم يبحثون عنه بشغف ويطلبونه، لأنه يمثل لديهم بوابة للتألق والتميز.
النقد والدخول في دهاليز المشكلات التي تعترينا في طريق الوصول إلى التميز والنوعية مطلب ضروري. إن المشكلة، هي العوائق التي تستدعي عدم الوصول للهدف، ونسلط الضوء هنا على مفردة « الأنا »، والتي فعلاً تشكل المشكلة الكبرى في طريق النجاح. هل « الأنا »، فعلاً تشكل مشكلة، أليست من كينونة الإنسان أنه يعشق ذاته، ويحق له أن يشعر بها، بوجودها في خارطة حياته. نعم إن الإنسان له الحق أن يشعر بتكامله، أن يلمس شخصيته، ليلقى الإشادة والإطراء في ما يقدمه.
إن « الأنا »، السلبية، هي التي تعتق في حس التملك حد الثمالة، الرغبة العارمة في احتواء الشيء، وإقصاء غيره عنوة من أن يأخذ فسحته كما أخذها هو. العمل بدافع الإشادة والإطراء، لتتسرب لذاته اللذة والنشوة. قمة السخف حين تكون اللذة والنشوة دافعًا في إقصاء الآخرين و- تهميشهم -، أي الحماقات تلك التي تجعل المرء يمارس - عنترياته -. « الأنا »، قصمت ظهر الأعمال الاجتماعية والرياضية، كفيل برك على نملة ضائعة في إحدى البساتين.