الربا وصاحبه المتخبط «2»
ثلاثة أسئلة نحاول الإجابة عليهما هنا:
الأول: هل للشيطان سلطان على الإنسان؟
الثاني: هل له تأثير من نوع آخر على الإنسان، كأن يكون له مدخل في بعض الأمراض التي تصيب الإنسان كالجنون كما في قوله: «يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»؟
الثالث: مع القول بوجود التأثير، ألا يخالف ذلك عدلَ الله تعالى؟
الجواب على الأول هو قوله تعالى على لسان الشيطان نفسه: «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ» وهو صريح في نفي أي سلطة له على الإنسان من جهة إجباره على المعصية بحيث يسلب عنه الإرادة والقدرة على الاختيار، أو من جهة التسلط على عقله بإقامة حجة دامغة على اتباعه وعبادته هو من دون الله، فلا يستطيع الإنسان لها صرفا. هذا لا يكون أبدا، بل ما يحدث هو أن الإنسان قد يسلط الشيطانَ على نفسه من خلال استجابته لدعوته والتفاعل مع وعوده ووساوسه وأمانيّه وتزيينه، كما قال تعالى: «إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ» وقوله: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ». ومنه يتبين أن الإنسان مسؤول عن عمله تمام المسؤولية.
أما جواب الثاني: فالظاهر من قوله تعالى: «يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ» وقوله على لسان النبي أيوب : «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ» وقوله: «وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ» وغير ذلك من الآيات أنه قد يكون له نوع تأثير على الإنسان، تماما كما للأسباب المادية، دون أن ينقض ذلك ما ذكرناه في الجواب الأول. فالمرض وبعض المصائب قد يكون للشيطان أحيانا مدخل فيها، وذلك لحكمة ربانية معينة. ولذا نسب أيوب ما أصابه من ضر من مرض في بدنه ومصيبة في أهله إلى الشيطان «ولا ينافي استناد المرض ونحوه إلى الشيطان استناده أيضا إلى بعض الأسباب العادية الطبيعية لأن السببين ليسا عرضيين متدافعين بل أحدهما في طول الآخر» « ولا يلزم من تسلطه على نبي بالإيذاء والإتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في الله سبحانه وأوبته إليه أن يقدر على ما يشاء فيمن يشاء من عباد الله تعالى إلا أن يشاء الله ذلك».
أما السؤال الثالث فجوابه أن ذلك لا يخالف عدل الله تعالى لأن حكمته اقتضت أن يمتحن عباده بالمرض أحيانا بأي درجة من درجاته، وسواء كان سببه ماديا أو غير مادي، فكل الأسباب مستندة في نهاية الأمر إليه جل شأنه. والإشكال الذي يمكن أن يرد على تسليط الشيطان على بدن الإنسان هو ذاته يرد على الأسباب المادية. والحقيقة، كما ذكرنا، أن الشيطان لا يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله، ولا يشاء سبحانه ذلك إلا لحكمة ومصلحة قد نعلمها وقد نجهلها. هذا أولا. وثانيا: في حالة الجنون "ليس في ذهاب العقل بإذهاب الله إياه إشكال، لأن التكليف يرتفع حينئذ بارتفاع الموضوع، وإنما الإشكال في أن ينحرف الإدراك العقلي عن مجرى الحق وسنن الاستقامة مع بقاء موضوع العقل على حاله، كأن يشاهد الإنسان العاقل الحسن قبيحا وبالعكس، أو يرى الحق باطلا وبالعكس جزافا بتصرف من الشيطان، فهذا هو الذي لا يجوز نسبته إليه تعالى، وأما ذهاب القوة المميزة وفساد حكمها تبعا لذهاب نفسها فلا محذور فيه سواء أسند إلى الطبيعة أو إلى الشيطان.
على أن استناد الجنون إلى الشيطان ليس على نحو الاستقامة ومن غير واسطة بل الأسباب الطبيعية كاختلال الأعصاب والآفة الدماغية أسباب قريبة وراءها الشيطان، كما أن أنواع الكرامات تستند إلى الملَك مع تخلل الأسباب الطبيعية في البين".