لحظة من إحساس.
قال تعالى:بسم الله الرحمن الرحيم «فطرة الله التي فطر الناس عليها»]*الروم [«30» صدق الله العظيم*
الذوق لغة هو ذلك السلوك الذي يقتضي معرفة ما هو لائق او مناسب في موقف إجتماعي معين. اما الإحساس فهو قيمة من القيم الجماليه. وكلاهما أي الذوق والإحساس مشاعر في الإنسان تتولد من فطره سوية جُبِلت على حب كل جميل وما هو حسن. والفطرة هي خصلة أودعها الله في قلب المرء فجعله ميالاً للخير، له ولمن حوله. ليكون خليفة الله على الأرض ومصدرا للأمان والطمأنينة. وإن كل من يغاير تلك الفطرة، فإنه ينحى سبيلا معاكسا يفضي به إلى طريق الشر والعدوان. وهنا تكون نقطة تحول النفس البشرية من نفس تهوى الخير إلى اخرى نزاعة للشر.
وتكبر هذه المشاعر حينما ينمي ويغذي الفرد منا هذه الفطرة في مراحل حياته. فيتعاظم معه ذلك الشعور الزكي في نفسه. ليتجلى في سلوكه على هيئة صور رائعة من الذوق والإحساس الرفيع، من إلتماس وتحسس لمشاعر الناس وإحترامهم ومراعاة عواطفهم حتى في أبسط الأمور. وهذا الحس الراقي لا يمتلكه إلا من كان له قلبا رحيما عطوفا محبا للآخر.
كثير من الافعال والمظاهر البذيئة التي نراها في الخارج من تصرفات وسلوكيات قبيحة تصدر ممن يفتقرون إلى أساسيات الذوق العام. هؤلاء ينقصهم الكثير من جانب الحياء والاحترام.
وهذا قد يكون ناتج عن خلل وإهمال في التربية منذ الصغر. وغالبا ما يكون ذلك أيضا من ذات الأنفس التي تميل إلى الأنانية وحب الذات. فتلك النفوس لا ترى إلا ذاتها وبالتي هي مستعده لإلغاء كل من حوّلها. وهذه الشخصية الذاتية لا يوجد في قاموسها معنى للإيثار في كل تحركاتها.
هنالك من يحرصون على أن تبدو أشكالهم ومظاهرهم الخارجية جميلة وملفته ومحط إعجاب للأخرين. ولكنهم ومع الأسف الشديد لا يكترثون كثيرا بجماليات الذوق والسلوك الأخلاقي. فهم أبعد ما يكون عن ذلك. فلا حياء ولا إحترام للأنظمة والأعراف.
وعلى اختلاف مستويات الناس الفكرية والاجتماعية نجد كذلك اختلاف كبير في تقدير الذوق وتلبس مفهومه ودلالته. وبما أن الذوق الرفيع ليس مقتصرا على فئة معينة من الناس وانما ذلك يرجع للنفس التي يحملها الإنسان بين جنبيه من روح عالية تزدان بالأدب والأخلاق الحميدة. فقد نجد سلوكا وذوقا رفيعا عند أبسط الناس بينما نجد سلوكا ذميما عند فئة اخرى ممن يوصفون بعلو المكانة.
وقد تخدعنا بعض الهيئات عندما نصادف من يركب سيارة فارهة فننبهر به، ولكن سرعان ماتتبدل هذه النظرة له، فور ما تراه وقد أخرج يده الكريمة من زجاج النافذه ليرمي بمناديله المتسخة خارِج سيارته الجميلة. وهنالك أيضا ممن يتجاوز الصفوف دون مراعاة للنظام والقانون. وكل هذه المواقف تنم عن تخلف في السلوك القيمي وتتناقض مع فلسفة الجمال الذي يمثل الذوق والإحساس. فإحترام الأنظمة والآداب العامة هو دليل على تطور وتحضر المجتمعات التي تتسابق في الرقي بنفسها.
وفي الطرف الاخر نجد من القدوات المشرفة الراقية في سلوكها وأخلاقها العالية من أتخذوا من الذوق الرفيع ناحية يتميزون بها من خلال تحليهم بالإيثار وحب الخير للأخرين. حتى تأسرك بعض تلك النماذج بمواقف قد يعدها البعض عابره ولكنها جليلة فيما أحتوت عليه. كأن يلفت نظرك أحدهم وقد علق على باب منزله لوحة كتب عليها
«لامانع من إيقاف السيارة أمام المنزل أثناء أداء الصلاة». إنها لفته تستحق الشكر والثناء لهؤلاء اللذَيْن أنارت بداخلهم لحظات من الإحساس، فكانوا مثالآ ومنبعا للخير والعطاء في مسيرة الحياة. وهذا على سبيل المثال لا الحصر ومثله كثير.
قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: «9»] صدق الله العظيم*
الذوق والإحساس جمال في الروح لا يعرفه إلا من وجد لذة الإيثار في قلبه عند فعل الخير. وهو ذلك الذي يدرك تماما بأن السلوك الحسن والمهذب والتعامل الجيد مع الاخرين ما هي إلا حسنات يدخرها الإنسان في حياته لتخلد ذكره الطيب وتكون له زادا في أخرته.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ «7» وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7، 8] صدق الله العظيم*