هل المعلم مربي ومدرس كما ينبغي؟
قُم لِلــمُــعَــلِّــمِ وَفِّه الــتَـبجيـل كــادَ الــمُــعَــلِّــمُ أَن يَكونَ رَســـولا
مطلع قصيدة لـ أحمد شوقي، مشهورةٌ ومدروسةٌ ومعروفة لدى جميع أطياف المجتمع من العلماء إلى الأميين ومن لسان الشيوخ إلى مسامع الأطفال، يصب فحواها في مدح المعلم ومكانته والتقدير الإجتماعي له، ففي الثلاثين سنه المنصرمه الى يومنا هذا اختلف مكان المعلم اجتماعياً كما تغيرت الانظمه التعليمية وتبدل حتى دوره في التربية والتعليم.
فماذا يدور في أروقة المدارس اليوم؟ وهل المعلم حقاً في مكانته العالية كما وصف في هذه القصيدة؟ هل المعلم مربي كما ينبغي؟ ام أن التعليم يتوجه لجعل وظيفة التدريس مادية قائمة على تلقي المعارف عوضاً عن مهنة التعليم الشاملة للمعارف والقيم والتربية؟
من خلال الأعوام التي قضيناها في المدارس حينما كان المعلم يستخدم العصى ليس لمن عصى فقط، إنما لمن عصى ولمن نسى، لمن لم يعجبه أو قد افترى، فقد تسّلم المعلم سلطة بين يديه تمادى البعض فيها، فقد يأتي والدُ طالب ما ليصدق كل ما ينطق به فاه المعلم، ويقول «إخذه لحم ورجعه عظم» وآخر يسلم الرخصة له في فعل ما يراه مناسباً، ليس جهل في آبائنا! إنما ثقة في المعلمين لما كان للمعلم مكانة في المجتمع تلك السنون التي عايشها آبائنا وأجدادنا، لم يكن خطأهم فقد قالوا هذا وسلموا الثقة لكل معلمينا ولم يستغل هذه الثقة كلهم، بل كان بعض المعلمين يتخذونا أولاداً لهم وأعز من ذلك، ولكن لكلٍ تصرفاته الشخصية.
المعلم في يومنا هذا رُسم له حدود مبهمه ليتماشى بها مع القوانين المفترض تنفيذها، يقّيم إداريا من إدارة المدرسة وتقييمه لا يفيده في زيادته السنوية فهي زيادة ثابته ولا في توسيع سلطة او توفير ادوات او امكانيات ليقوم بعمل اكبر، فاستغل الملّوث هذا والكثير من الثغرات في القوانين ليقوم باقل واجباته ويخون هذه الوظيفة الإنسانية العظيمة، وفي الطرف الاخر يجتهد المعلم المُخلص بانفرادات تستهلك وقت وتكاليف وجهود إضافية ليتمتع برضا الله لإخلاصه ويصعب عليه ارضاء نفسه إتجاه الأمانة العظيمة وهي مستقبل أبناء المجتمع وتعليمهم أفضل ما يستخلص من المناهج الغير واضحه والمهارات الصعبة والأساليب والأخلاق الحميدة في وقت ضيق لا يسع فيه إيصال نصف المناهج للطلاب. فمن هذا المنطلق قد تجد التفاوت بين مستوى وأسلوب المعلم بين الفاضل والسيئ، ومن تصرفات بعض المعلمين الانفرادية الشخصية السيئة التي حطت بمكانة المعلم في المجتمع ليقال في المجالس ليس سوى معلم! فالسيء يطيح بالجيد.
كما هناك انفرادات شخصية سيئة حطت بمكانة المعلم اليوم في عيون أفراد المجتمع، هناك إجتهادات شخصية زادت في قدر المعلم ورفعت مكانته في عيون أولياء أمور الطلاب، حتى من قبل بدء الدراسة، منذ بدأ تسجيل الطلاب في المرحلة الابتدائية نرى الاجتهادات الشخصية «غير الواجبة الإدارية او المهنية» من ابتسام في وجه الطالب قبل ولي الأمر والاهتمام من طاقم التدريس والطاقم الاداري ككل إلى معلمي الفصول في تواصلهم مع أولياء الامور في التوجيه والترتيب والنصح لهم وتحملهم لإلحاح الاهالي وأسئلتهم واستفساراتهم بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية وحتى في الإجازات الاسبوعية والرسمية، وسائل تعليمية من اجتهاد المعلم وبعضها من جيبه الخاص لأكثر من ثلاثين طالبٍ في الصف لقلة الفصول ادارياً ليتحمل مسؤليتهم فردا واحد، يضبط الفصل، يوصل المادة ويدرسها، يعلمهم مهارات المنهج والكثير من الواجبات المهنية والأخلاقية التي يقوم بها وتراه رغم الضغوط والتحديات التي يوجهها يقوم بكل هذا وهو سعيد مبتسم.
إعادة تقييم المعلم المخلص في المجتمع ليست فقط لأجل المعلم ومكانته إنما لأجل أبناء المجتمع ومستقبلهم، فمكانة الشخص الرفيعة اجتماعياً تفرض على الجميع احترامه، ففي سياقنا هذا الحديث فإن أبنائنا الطلاب عند احساسهم بعلو مكانة المعلم سيزيد إحترامهم للمعلم مما ينتج اكتساب طالب العلم لأكبر محتوى من المهارات في المنهج والتوجيهات من شخص يكنون له الاحترام والتقدير عن شخص لا يعني لهم شيئاً ولا يسمعون عن مكانته في البيت وخارجه إلا ما يحط من قدره ومكانته، فالتعليم كان ومازال وظيفة انسانية قبل ان تكون وظيفة مادية.