لماذا يخدعنا صانع الحلوى؟
ثقافة الاستهلاك بكل تفاصيلها ومستوياتها، هي من تُحدد وتؤثر على فكر ومزاج البشر في كل زمان ومكان، ومهما تزود البشر ببعض التجارب والخبرات، إلا أن هذه الثقافة الاستهلاكية هي من تُسيطر على علاقات وسلوكيات البشر فيما بينهم في كل المجالات والمستويات.
وحتى نقترب أكثر من فهم هذه العلاقة الاستهلاكية التي تكاد تُهيمن على رغبات وتصرفات الأفراد والجماعات في كل المجتمعات والأمم، إليكم هذه القصة الواقعية التي تحدث في كل لحظة ولكن بأبطال وسيناريوهات ومؤثرات ونهايات مختلفة:
يقول أحد صنّاع الكيك والحلوى بأنه قرر أن يختبر زبائنه ليعرف مدى تأثير السعر على تذوقهم، فصنع عجينة كبيرة مكونة من أفخر وأفضل المقادير والمكونات، ثم قسمها إلى نصفين، ووضعها في قالبين: أحدهما على شكل دائري والآخر على شكل مربع، وأدخلهما الفرن لمدة ساعتين، ثم وضع الكيكتين بقالبيهما المختلفين على طاولة جميلة في وسط المتجر، ووضع عليهما سعرين مختلفين: الكيكة الدائرية ب 200 ريال، والكيكة المربعة ب 50 ريال، وطلب من زبائنه تجربة النوعين لمعرفة آرائهم وانطباعاتهم، فجاءت الردود والتعليقات متشابهة تقريباً، حيث أجمع الكل على أن الكيكة التي سعرها 200 ريال لذيذة وتذوب في الحلق ورائحتها زكية، بينما الكيكة التي سعرها فقط 50 ريال خشنة وغير متماسكة وطعمها عادي جداً.
والأمر طبعاً سيتكرر تماماً في البضائع والأشياء الأخرى، مادام البشر يتأثرون بالضغوط والموجهات، ولكن الخطورة ستكون فادحة ومدمرة حينما يُخدع البشر في فكرهم ووعيهم، لأن النتائج والمآلات ليست كما هو الحال مع ”خديعة الكيك“.
وحتى لا يبقى السؤال/العنوان أعلاه بلا إجابة: فصانع الحلوى لم يُفكر في خداعنا إلا حينما وجدنا مهيئين وجاهزين لذلك الخداع، والأمر كذلك مع كل من يبيع ويُروج لمنتج أو محتوى. فكل من يُريد بيع وتسويق بضاعته، مهما كانت تلك البضاعة، ولعلّ أخطرها على الإطلاق تلك البضائع والمنتجات الفكرية والأيديولوجية التي تُدمر العقل والوعي، بل وتهدم المجتمعات والأوطان.
حينما نُريد أن نشتري بعض الحلوى أو الملابس أو الأحذية أو الشنط أو غيرها من المنتجات، يجب أن نشتريها لأنها تتناسب مع ذوقنا وقدرتنا، وليس بناء على رغبة وتوجيه البائع أو التاجر، فنحن نحتاج لأن نكون أكثر وعياً وذكاءً، ولكن حينما يكون المنتج أو البضاعة فكراً ورأياً، فنحن نحتاج لأكثر من الوعي والذكاء، فالخسارة والمصيبة في هذه الحالة ستكون مضاعفة، بل وكارثية، وليس كما هو الحال مع الكيكتين الدائرية والمربعة.