قلب القانون النابض
المعروف في الشريعة الإسلامية، أي القانون المنزَّل من الله، أن عقوبة السرقة هي قطع اليد، لكن حكى التاريخ قصة عن الخليفة عمر بن الخطاب ”رضي الله عنه“ أنه عفا عن سارق، والأكثر من ذلك أنه علَّق حد السرقة في عام الرمادة! لماذا يا تُرى؟
لقد أصاب الناس في سنة 18 هـ مجاعة وقحط شديد، وكان الناس في ذلك الوقت في جوع وشدة.
لقد تفهَّم الخليفة الظروف والأسباب المحيطة بحوادث السرقة في ذلك العام، وأنه ما سرق أحد إلا بسبب الجوع فأخذته الرحمة بالناس. وعلَّق حد السرقة؛ لأنه رأى أن شروط تنفيذ الحد لم تكن متوافرة.
تعتبر القصة السابقة مثالًا رائعًا لفن إدارة الأزمات، لكنها توضح لنا أيضًا حِكمة الخليفة في تطبيق وتعديل القوانين بما تقتضيه الظروف، وبما يتفق فعليًّا مع الشريعة الإسلامية. فوضع القوانين هو بالضبط مثل أنظمة الأجهزة الذكية، تحتاج لتحديث مستمر؛ لتتوافق مع التكنولوجيا المتجددة دائمًا. هي معرَّضة للهجوم المستمر من المخترقين الذين يخلقون ثغرات فيها. كلما أغلقنا ثغرة أمنية أوجد المحتالون ثغرات جديدة.
وكما قال ألبرت أينشتاين: كلما اقتربت القوانين من الواقع، أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات، أصبحت غير واقعية! وكما قلنا سابقًا، كل قضية هي حالة منفردة لها تفاصيلها وظروفها الخاصة، ويجب التعامل معها على حِدة، والأخذ بجميع الظروف والأسباب المحيطة بها. ولذلك وجب مراجعة القوانين وتنقيحها، وتعديلها وتحديثها باستمرار؛ لتكون صالحة للتطبيق وملائمة لظروف وقتها، وللحالات الجديدة التي يواجهها القضاء، ومتماشية مع التغيُّرات التي تطرأ على حياة البشر.
القانون يجب أن يكون مثل الموت الذي لا يستثني أحدًا. هي مقولة لمونتسكيو، وربما الأجمل منها هو حديث رسول الله عندما قال: ”والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها“. فإذا لم تُستثنَ بنت أعظم الخلق وأشرفهم من العقاب لو ارتكبت جُرمًا، فلا يجب أن يُستثنى أي أحد آخر.
أخيرًا، يجب أن تكون الرحمة والعدل والإنصاف جوهر القوانين وقلبها النابض، ولنضع مليون خط تحت كلمتي «العدل والإنصاف».