حبُّ الحسين... من دمعةٍ عاطفةٍ إلى دربٍ وعيٍ وولاء
”حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبَّ اللهُ من أحبَّ حسيناً...“
بهذه الكلمات الخالدة رسم رسول الله ﷺ معالم حبٍّ ليس كمثله حب، حبٌّ يسري في الأرواح قبل الأجساد، ويُشعل القلوب بنور لا يخبو.
ولكن، ماذا يعني أن نحب الحسين؟
وكيف يتحول هذا الحب من شعارٍ موسمي إلى نهجٍ يمتد على مدار الحياة؟
عاشوراء… موسم الحب، وبذور الوعي
في موسم عاشوراء، تتجلّى صور الحب الحسيني في أبهى حُلَلها:
مواكبٌ تسير، دموعٌ تسيل، مجالسٌ تُعقد، وقلوبٌ تتوشح بالسواد حزناً، لكنها تتقد بحبٍّ لا يُطفأ.
لكن، ليس كل بكاء حباً، وليس كل مشاركة دليلاً على الولاء...
فالحب الحقيقي لا يكتفي بالمظاهر، بل يطلب الأعماق.
هو الحب الذي يُزهر من عاطفةٍ صادقةٍ ممزوجةٍ بوعي، لتُثمر ولاءً نقيًّا لا يتبدد مع انتهاء الموسم.
البكاء… من عاطفةٍ إلى يقظة ضمير
البكاء على الحسين ليس مجرّد دمعةٍ تسقط من عينٍ حرّى، بل هو نفحة من حرارةٍ قال عنها النبي ﷺ:
”إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.“
لكن... أيُّ حرارةٍ هذه التي لا توقظ ضميراً ولا تُشعل مسيرة؟
كم من باكٍ في كربلاء لم يكن على درب الحسين؟!
فها هو عمر بن سعد يبكي، ويده تقترف الجريمة،
وها هو الرجل يسلب خلخالَي طفلة، ثم يبكي وهو يقول: ”كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟“
كيف نُنمّي حب الحسين في قلوبنا؟
إن حب الحسين ليس وهماً عاطفيًا، بل هو تجربةٌ تُبنى... وطريقٌ يُسلك:
1. معرفة الحسين :
كلما ازدادت معرفتك به، ازداد حبك له.
فهو ليس فقط شهيد كربلاء، بل رجلُ الإنسانية الكامل، الذي خاض معركته من أجل أن تظل الكرامة والحق حيّين في هذه الدنيا.
من يتأمل مواقفه، كلماته، صبره، واحتسابه...
يذوب فيه حباً، ويخجل من أن يدّعي الولاء دون اتباع.
2. حضور المجالس الحسينية:
المجالس ليست سردًا للتاريخ، بل هي بوابةٌ للوعي،
مدرسةٌ يتخرج منها العاشقون الصادقون، وفيها تنمو بذور الولاء، ويترسخ الحب النابض بالاقتداء، لا العاطفة فقط.
3. تحويل الحب إلى برنامج عملي من خلال النقاط التالية:
* رائد إصلاح:
كما قال الحسين : ”إنما خرجت لطلب الإصلاح...“
فليكن حبك للحسين دافعًا لتكون إنسانًا نزيهًا، صاحب موقف، وبصمة، وأثر في مجتمعك.
* الأخلاق الحسينية:
من أحب الحسين، تخلق بأخلاقه: التواضع، الحلم، الكرم، الصبر، والرحمة حتى مع الأعداء.
* الصلاة في وقتها:
الحسين لم يترك الصلاة حتى في يوم العاشر، وسط السيوف والسهام.
فهل نتركها نحن في وقت راحتنا؟
قال الإمام عندما ذُكّر بالصلاة في عاشوراء:
”ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين...“
فمن أراد أن يحب الحسين بحق، فليكن من المصلين.
حين يتحول الحب إلى جنونٍ واعٍ
في مشهدٍ لا يُنسى، يقف عابس بن شبيب أمام الحسين ويقول:
”ما أمسى على ظهر الأرض أحدٌ أعزَّ عليّ منك يا أبا عبد الله... ولو قدرت أن أدفع عنك بشيءٍ أعزّ من دمي لفعلت.“
ثم يقف في ساحة القتال، والعدو يتهيّب منه،
فيمزّق درعه، ويخلع خوذته، ويهتف:
”حب الحسين أجنّني!“
ويقاتل حتى ينال الشهادة، وهو يهمس:
”الحمد لله...“
هكذا يُترجم الحب:
لا بدمعة عابرة، بل بقرارٍ حاسم... بروحٍ تذوب في درب الإمام، وتتجرد من كل شيء إلا الولاء.
حبٌّ يُغير الحياة
الحبّ الصادق للحسين ليس طقساً عاطفياً مؤقتًا،
بل شعلة تضيء العمر كلّه...
حبٌ يزرع فيك نخوة العباس، وبصيرة زينب، ونهضة الحسين،
حبٌ يجعلك ترى الحياة والناس بعين مختلفة، ويقودك لتكون أنقى، أصدق، وأقرب إلى الله.
فلنسأل أنفسنا دائمًا:
هل نحن نحب الحسين كما يجب؟
أم كما اعتدنا فقط؟
الحبّ لا يُقاس بالدموع وحدها، بل بما تصنعه تلك الدموع من تغيير فينا...
فهكذا أحبّوا الحسين...
وهكذا ينبغي أن نحبّه نحن.