العدالة البيئية في حق الماء: واقعة الطف بين العطش والضمير.

تمثل واقعة كربلاء أحد أبرز الأمثلة التاريخية على الظلم المائي، حيث مُنع الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه من الوصول إلى ماء الفرات. هذا الحرمان لم يكن مجرد أداة قمع بل يعكس قضية ما تزال حاضرة اليوم وهي العدالة في توزيع الموارد، وأهمها الماء.

في العاشر من محرم، استخدم جيش يزيد الماء كسلاح ضد الإمام الحسين ، مخالفًا تعاليم الإسلام. لكن قبل بدء المعركة، حين وصل الحر بن يزيد الرياحي وجيشه إلى الحسين وكانوا عطاشى، التفت الإمام إلى أصحابه وقال:

“ اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا، ففعلوا وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، وسقي آخر، حتى سقوها عن آخرها”«العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 376».

فرُويت الجنود وسُقيت خيولهم، رغم أنهم جاؤوا لمنع الحسين من التقدم. هذا الموقف يُجسّد أسمى معاني العدالة والرحمة والحق في الماء، حتى مع الخصوم.

العدالة المائية في الإسلام

قال النبي محمد :

“الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار. ”«جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 18 - الصفحة 469»

وقال الله تعالى:

“وجعلنا من الماء كل شيء حيّ”«الأنبياء: 30»

الماء في الإسلام ليس مِلكًا فرديًا، بل حق جماعي، وحرمانه ظلم.

الواقع المعاصر

يعاني أكثر من 2,2 مليار إنسان حول العالم من عدم الحصول على مياه شرب آمنة وصالحة للاستخدام «UN Water». وذلك نتيجة تداخل عدة عوامل، أبرزها الصراعات الإقليمية على مصادر المياه، والخصخصة التي تحوّل الماء من حق إنساني إلى سلعة، إلى جانب التلوث الصناعي والزراعي، وأيضا تغير المناخ الذي يفاقم أزمة الندرة. هذه التحديات تمثل مظاهر حديثة من الظلم البيئي، وتعيد إلى الذاكرة مشاهد من كربلاء، حين استُخدم الماء أداة قمع وحرمان، في تكرارٍ تاريخي بأشكال معاصرة.

من كربلاء نتعلم الكثير من الدروس ومنها أن الحق في الماء هو خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وأن الدفاع عنه واجب أخلاقي وديني. عدالة الإمام الحسين ، التي تجلّت في سقي خصومه، تذكّرنا بأن العدالة المائية أساس للسلام وكرامة لإنسان.