القوى الناعمة السعودية

قبل أربعة عقود تقريباً، برزت العديد من المفاهيم والمصطلحات والأدبيات الجديدة، التي غيرت الكثير من الرؤى والأفكار والسلوكيات والأنماط التي استقرت لقعود، بل لقرون. فمثلاً، لم تعد قوة السلاح التقليدي الفتاك الذي يُستخدم في الحروب، هي الخيار الوحيد في المواجهة، ولكن ظهرت أنماط مختلفة تتناسب وتتناغم مع طبيعة المرحلة. ”القوة الناعمة“، هي أحد أهم تلك المفاهيم الحديثة التي انضمت لقاموس الصراعات والتحولات. وهي تعني القدرة على تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية والتأثير، بدلاً من الإرغام أو الضغط. فأميركا، على سبيل المثال، تُعتبر في مقدمة الدول التي استخدمت هذا المفهوم الجديد، فهي تملك أكثر من 60 ٪ من العلامات التجارية، ويدرس في جامعاتها أكثر من 30 ٪ من مختلف طلاب العالم، وهي من أهم مصدّري الموسيقى والكتب والبحوث العلمية والأغاني والأفلام والبرامج التلفزيونية، وهي بذلك تُعتبر من أهم القوى الناعمة في العالم، إضافة إلى قوتها العسكرية والاقتصادية طبعاً.. وتأتي اليابان في المرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر امتلاكاً للقوى الناعمة، لأنها صاحبة أكثر براءات اختراع وريادتها في ألعاب الفيديو والصور المتحركة وصادرات التقنية الحديثة.

والكتابة عن القوى الناعمة تحتاج للكثير من المقالات والدراسات لأنها تُعدّ الأكثر خطورة وتأثيراً على فكر ومزاج وسلوك المجتمع بأفراده وشرائحه. وهنا يقفز السؤال: ما ألوان وأشكال ومستويات القوى الناعمة التي أصبحت مثار اهتمام واستخدام العالم بأسره؟ الإجابات ليست سهلة أو بسيطة، ولكنني وبشكل مباشر سأضع على عجالة قائمة من الأمثلة / الأشكال للقوى الناعمة وهي: العلم والمعرفة والسياحة والفنون والسينما والدراما والرياضة والأزياء واللهجات والأكل والحرف والمهن والإعلام، لاسيما الجديد. إذاً، القوة الناعمة عبارة عن نفوذ قوي ومسيطر، يمنح مستخدميه جذباً وتأثيراً في الآخرين دون التورط في صراعات أو مواجهات.

الآن، وبعد هذه المقدمة الطويلة لهذه الظاهرة الكونية التي أصبحت محل اهتمام العالم بأسره، أصل إلى الهدف من هذا المقال وهو: القوى الناعمة السعودية.. تعيش المملكة العربية السعودية تحولاً وطنياً مذهلاً طال كل المجالات والقطاعات، وأصبحت مستهدفات وخطط الرؤية الطموحة واقعاً وحقيقة، إذ تحقق الكثير من أحلامنا وآمالنا قبل موعدها، وأصبح وطننا العزيز بوصلة العالم من كل الاتجاهات وعلى كل المستويات. وقد ساهمت قوانا الناعمة المتعددة والمتنوعة في جذب المستثمرين والزوار الذين وجدوا في ملامح التنمية والتطور الذي تعيشه المملكة مثالاً ملهماً ونهضة مذهلة، وطننا العزيز بما حباه الله كل هذه الثروات والخيرات، وبما يملك من عقول وإمكانات، وبتوظيف ذكي لكل هذه القوى الناعمة التي يزخر بها، أصبح مقصد الأمم والشعوب، بل الوجهة الأولى التي تتحقق فيها الطموحات والأحلام.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني