معاناتهم حتى وصلوا

ربما اعتقد البعض أن كبار الكتاب إنما ولدوا كبارًا، وأنهم أصبحوا مشهورين ويشار إليهم بالبنان مذ كتبوا مسودة كتابهم الأول، وربما اعتقدوا بأن الطريق كان مفروشًا لهم بالحرير، وكانت الظروف مهيأة جدًّا لهم، ولم يعانوا قط قبل وصولهم. لكن الواقع يختلف عن ذلك، حيث إن الأغلبية العظمى من هؤلاء كان طريقهم مليئًا بالأشواك والمصاعب، ولولا إصرارهم على مواصلة الطريق لبقوا أناسًا عاديين، ولما سمعنا عنهم أبدًا.

ومن هؤلاء الروائي المصري المعروف الأستاذ نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للأدب، إذ عانى كثيرًا في حياته؛ حيث عاش في حي شعبي، وعمل موظفًا في وظيفة لا يحبها ولا تلبي طموحاته واحتياجاته. كما واجه رفضًا لطباعة كتبه في بداياته، ومنع بعضها من النشر في بعض الدول. ورغم كل ذلك فقد كان يصر على أن يصبح رقمًا مؤثرًا في مجتمعه حين كان يعود منهكًا من عمله فيؤثر القراءة والكتابة على راحته حتى استطاع أن يشق طريقه في عالم الأدب.

وقبله كان الكاتب والرحالة العربي ابن بطوطة «1304 - 1378م» الذي تجوّل في العالم الإسلامي ثلاثين عامًا قبل أن يكتب «تحفة النظار في غرائب الأمصار» الذي يعد واحدًا من أهم الكتب في أدب الرحلات في العالم، حتى ترجم إلى عدة لغات عالمية. ورغم الجهد الذي بذله ابن بطوطة في كتابته فإن كتابه لم ينتشر كثيرًا في حياته.

وهناك الكاتبة الفلسطينية سميرة عزام «1927 - 1967م» التي أسميت «أميرة القصة العربية القصيرة»، والتي نشأت في بيئة فقيرة وعانت من التهجير من حيفا في عام 1948م إلى لبنان فالعراق فلبنان ثانية ثم قبرص والكويت. فقد كتبت في البداية تحت اسم مستعار «فتاة الساحل» قبل أن تكتب باسمها الحقيقي. ولم تنل حقها من الشهرة بشكل كاف إلا بعد وفاتها. ومن أهم كتاباتها مجموعة قصصية تحت اسم «أشياء صغيرة» و«الظل الكبير» و«الساعة والإنسان».

أما الروائي التشيكي الشهير فرانز كافكا «1883 - 1924م» فقال: ما أردته لنفسي ليس الذي حدث لي بالفعل. ولكنني غيرت خططي ألف مرة لأفرح، وألف مرة لأتحمل، وألف مرة لأعيش. وقد حصل هذا نتيجة عدة أمور؛ منها ضغوط والده عليه وسيطرته عليه، وكذلك كونه شخصًا انعزاليًّا ومصابًا بالاكتئاب وبمرض السل أيضًا. ولم يكن كافكا يجد الوقت الكافي للكتابة؛ لكونه كان موظفًا في وظيفة لا يحبها. ورغم أن كتاباته تنال إعجاب كثيرين اليوم، فإنها لم تكن تعجبه هو، حتى إنه أوصى بحرقها. وقد طبع أغلبها بعد وفاته على يد صديقه ماكس برود. ومن أشهر أعماله رواية التحول، التي تحكي عن الغربة وحياة الإنسان بلا معنى، وكذلك روايتا المحاكمة والقلعة. وقد ترجم عدد من أعماله إلى لغات عديدة وتدرس في بعض الجامعات. وقد كان يقول عن نفسه في يومياته: إن حياتي مِثل شارع في فصل الخرِيف، كُلما تم تنظيفه يعود مرة أُخرى مُمتلئاً بالأوراق الجافة الذابلة...!

أما الروائي الفرنسي مارسيل بروست «1871 - 1922م» الذي كتب أطول رواية في العالم «البحث عن الزمن المفقود»، التي تعد كذلك واحدة من أهم أعمال القرن العشرين، فقد ظل يتنقل من دار نشر إلى أخرى لطباعة روايته، وكان الكل يرده، حتى طبعها أخيرًا على حسابه الخاص، قبل أن يكتشف الجميع بأن روايته عظيمة. حينها كتب إليه مالك دار نشر غاليمار «أندريه جيد» رسالة اعتذار لرفضه طباعة العمل عُدت أشهَرَ رسالة اعتذار في تاريخ الأدب، حيث بيعت مسودتها فيما بعد في مزاد بقيمة 145 مليون يورو!

وأخيرًا فقد عاش الكاتب الروسي ثيودور دوستويفسكي فقيرًا، وعانى كثيرًا قبل أن يصبح مشهورًا، كما سجن أربع سنوات في سيبيريا بسبب نشاطه السياسي، قبل أن يصبح من أعظم الكتاب الروس.