ثقافة سوء الاستخدام

في كل مجتمع، تولد طاقات مبدعة تضيء دروب التطور وتبني صروح العلم والفكر، تسخر الجهود وتستنزف الإمكانات لتشييد منارات تعانق الطموح وتفتح الأفق أمام الأجيال الصاعدة، وحين يتحقق الحلم، وتبنى الصروح الأكاديمية، وتجهز المرافق التعليمية والمنشآت الصحية والطرق والحدائق والمتنزهات والشواطئ على أعلى المستويات، والتي تعتبر واجهة حضارية، ينتظر أن تزدهر فيها روح المسؤولية، وأن تستثمر بما يليق بعظمة الهدف الذي من أجله وجدت.

لكن ما يؤلم حقاً، أن تتجلى في بعض النفوس ثقافة سوء الاستخدام، تلك التي تحول النعمة إلى نقمة، والمنفعة إلى عبء، أن تستهلك الموارد بلامبالاة، وأن يتعامل مع المكان لا كبيت وملكية خاصة، بل كمساحة لا ضير في إهمالها أو الإساءة إليها.

إنها ثقافة تفرغ الجهد من قيمته، وتطفئ بريق الإنجاز في أعين من بذلوا من وقتهم وجهدهم لتوفير هذه البيئة التي تعد حلماً تحقق بعد عناء.

ما أكثر ما نرى مرافق أُنشئت لتخدم، فتهدر طاقتها بسلوك عابر، أو بإهمال متعمد، وكأن اليد التي تبني ليست من ذات الجسد الذي يهدم، تلك المفارقة الموجعة تنبئ عن خلل عميق في الوعي، إذ لا قيمة للبناء إن لم يصحبه إدراك لأمانة الاستخدام.

إن احترام المكان انعكاس لاحترام الذات، ومن يعتني بالمرفق الذي ينتفع منه، إنما يعبر عن وعيه، وعن انتمائه الحقيقي.

فالمرافق العامة فهي ليست جدراناً

بل بيئة حاضنة للإبداع، لا تزدهر إلا حين تُصان وتقدر.

فلنغرس في نفوسنا ونفوس أبناؤنا أن الاستخدام الحسن مسؤولية أخلاقية ووطنية، وأن الحفاظ على المكتسبات جزء من صناعة المستقبل.

فالثقافة التي نزرعها اليوم هي التي تحدد شكل الغد، إما أن تكون ثقافة بناء وازدهار، أو ثقافة هدم وضياع.