رحيل بميلاد جديد
رحيل هذا العام مختلف…
ليس ككل الأعوام التي سبقت، كأن الزمن هذه المرة لا يطوي صفحة فحسب، بل يترك أثرًا في القلب، ويهمس بأن ما سيأتي ليس عاديًا.
وهو يرحل، لا يبدو حزينًا تمامًا، بل كمن يسلم الأمانة لعامٍ جديد يحمل وعدًا خفيًا.
وها هو عام ”1026“ يحظى بميلادٍ ميمون، ميلاد استثنائي، وليد الكعبة، الذي يولد في أقدس مكان، ليعلن أن القادم ليس استمرارًا لما مضى، بل ولادة مختلفة، مشبعة بالمعنى والبركة، إنه عام لا يبدأ من الصفر، بل من القلب.
في انحناءة الزمن عند عتبة عامٍ جديد، لا نقف لعد الأيام، بل لإصغاءٍ أعمق لما تتركه فينا وهي تمضي.
فالسنة التي ترحل لا تحمل معها أحداثها فقط، بل تخلف أثرًا خفيًا في الوعي، أثرًا يشبه السؤال الذي لا يُطرح صراحة، لكنه يظل حاضرًا، يوجه النظرة ويهذب التوقع،
ليس كل غياب فراغًا، كما أن ليس كل حضور مرئيًا، ثمة أشياء لا تُرى، لكنها تُقاس بمدى تأثيرها في البوصلة الداخلية للإنسان، فحين يغيب الشكل، يبقى المعنى، وحين يتأخر الوعد، يتقدم الامتحان، عندها يصبح الزمن مساحة تهذيب، لا ساحة انتظار، ويغدو التأجيل الظاهر دعوة غير معلنة للنضج.
العام الجديد لا يقدم نفسه بوصفه خلاصًا، ولا يهدد بخسارة، إنه محايد، صامت، كمرآة، يعكس ما نضعه فيه، إن دخلناه بالأسئلة، أعادها أوضح، وإن دخلناه بالنية، كشف صدقها، قيمته لا تكمن فيما سيحدث، بل فيما سنصير إليه ونحن نعبره.
في هذا العبور، يتبدل معنى الصبر، لم يعد تحملًا سلبيًا لما لا نملك تغييره، بل وعيًا بما يمكن إصلاحه، ويتحول الأمل من فكرة مريحة إلى مسؤولية ثقيلة، تتطلب انسجامًا بين ما نؤمن به وما نعيشه، فالتأمل هنا ليس هروبًا من الواقع، بل مواجهة هادئة له، بلا ضجيج ولا ادعاء.
ومع كل عامٍ ينقضي، يتضح أن المشكلة لم تكن في بطء الزمن، بل في سرعة الاعتياد، وأن ما ننتظره في الخارج لا معنى له إن لم يُوقظ شيئًا في الداخل، فالحضور الحقيقي لا يُقاس باللقاء، بل بالاستعداد، ولا يتحقق باللحظة، بل بالمسار.
هكذا بين وداعٍ واستقبال، تتكشف حقيقة بسيطة وعميقة، أن أعظم التحوّلات تبدأ بصمت، وأن المعنى لا يفرض نفسه، بل يُستحق، وفي هذا الاستحقاق، يصبح الزمن أقل سيادة، والوعي أكثر حرية.
وهنا، عند هذا الحد من التأمل، لا يبقى سوى سؤالٍ يتردد بلا صوت، سؤالٍ لا يطلب جوابًا بقدر ما يطلب أهليةً للطريق.
هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى هل يتصل يومنا بغده فنحظى، متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فنقر منها عينا، متى ترانا نراك
ونراك؟







