عقرب لا يلدغ

تعتقد فئة - ليست بالقليلة - من أفراد المجتمع بِجِنْسَيه بأن الزمن متوقف لا يتحرك ولا يتغير، والعمر جامد لا يتقدم؛ فتراهم يعيشون واقعًا حالمًا بعيدًا كل البعد عن واقع الحال، ولا يكترثون لعقرب الساعة وحركته التي ليس من صفاتها الثبات والتوقف.

إنّ عقربَ ساعتهم عقربٌ عاجزٌ عن اللدغِ، ولو كان يلدغُ لأحدثَ فيهم الصَّدمة، صدمة حقيقية نصها كالتالي: الحياةُ مراحلٌ ولكل مرحلةٍ خصوصيتها وسلوكها وطريقةٌ للتعاملِ معها.

عقربُ الساعةِ هو معادلةٌ صحيحةٌ وصادقةٌ لحسابِ ما مضى من أعمارنا، وكل عمرٍ من أعمارنا لا بد لنا وأن نتعاملَ معه بما يناسبه لا بما نرغبه، وإِنْ أدخلنا عنصرَ التحدي كي يكونَ مُعِينًا لنا علّنا ننتصرُ على ذلك العمر، فسيكونُ عاملَ ضغطٍ علينا ولن يكونَ مُدافعًا عنَّا.

علينا أن نعيشَ كلَّ مرحلةٍ من عمرنا بتفاصيلها الدقيقة، وألا نَنجرَّ وراءَ أعمارٍ لا تلائمنا ولا نلائمها بممارسةِ سلوكياتٍ وتصرفاتٍ هي بعيدةٌ وغريبةٌ وشاذةٌ عما نحن فيه الآن من مرحلةٍ عمريةٍ لها صفاتها وخصائصها التي لا بد لنا وأن نقفَ عندها طويلاً ونحترمها وألا نتخطاها، فهي بمثابة خطوطٍ حمراءَ تُنظِّمُ أقوالَنا وأفعالَنا بما لا يَدَعُ مجالاً لتجاوزها، فتبقى المكانةُ دونَ خدشٍ والمنزلةُ دونَ رَتَقٍ والوجاهةَ دونَ ثَلْمٍ.

إنّ محافظَتنا على مكانَتِنَا بينَ الناسِ لا بُدَّ لها وأنْ تَتّسِقَ مع أعمارنا وتسيرَ معها جنبًا إلى جَنْبٍ دونَ أن يتقدمَ أحدهما على الآخر؛ وإلا سيختلُ التوازنُ وستحدثُ العرقلةُ، وستسقطُ المكانةُ، وسنعاني من لدغاتِ العقربِ المعنوية لا الحِسِّية.

هنالك خيطٌ حساسٌ ودقيقٌ في أن نلائمَ بينَ حياتنا بما يتوافقُ مع الجيلِ الذي نتعاملُ معه وبينَ أن نُضَيّعَ قَدْرَنا وشأْنَنَا بين الآخرين، فأبناء الجيلِ الذي جاء بعدنا له أموره وسلوكياته وحياته المختلفة عنا، وإقحام أنفسنا معهم دون الحفاظ على هيبتنا ومكانتنا محاولة فيها الكثير من العورات والانتقاص لذواتنا، والنظرة إلينا من قبلهم ستكون في الحضيض، وإن لم يُعْلِمُونَا بذلك صراحةً، ولكن أحاديثهم مع بعضهم البعض ستحكي وستشتكي وستنتقص وربما تُزيل وتلغي.

قال أحدهم:

”قد تستطيع أن تربح كل معاركك مع الحياة، إلا معركتك مع الزمن“.