فاطمةُ الزهراء… إشراقات مباركة
من يقف أمام سيرة فاطمة الزهراء 
، يدرك أنه أمام صفحةٍ من نور، ودهشةٍ من الجمال الإلهي المجبول بالكمال، والعفاف، والفضائل الرفيعة. فهي ليست امرأةً عابرة في تاريخ البشرية، بل هي مدرسةٌ خالدة في التربية، ومشعلُ مسؤولية، وموقفٌ بطوليٌّ كتب قدسية التضحية على جبين الزمن.
في سيرتها تتجلّى المكارم، وتنبع الدروس، وتتعلم القلوب معنى السمو والولاية. ومن بين إشراقاتها المباركة نقرأ:
السمو الروحي… قلبٌ امتلأ بالله
الإيمان بالله هو سرّ الطمأنينة، ومن امتلأ قلبه بالله عاش سعادةً لا تُقاس.
قال تعالى:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ «الرعد: 28»
وهكذا كانت الزهراء 
… قلبًا متصلًا بالسماء، وروحًا تغتسل في نور الطاعة. يشهد لها رسول الله 
 قائلاً:
«إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها ففرغت لطاعة الله» [1] .
ولو فهمنا هذا الدرس حقًا، لعلمنا أن كثيرًا مما نعيشه من قلق وضيق إنما هو فراغٌ روحي، يحتاج إلى قبسٍ من نور العبادة، وإلى نفَسٍ من ذكر الله ليهدأ القلب، وتستريح النفس.
براعة البِرّ… فاطمة أمُّ أبيها
الآباء يحتاجون إلى كلمةٍ حنون، ويدٍ رفيقة، وقلبٍ يمسح تعب العمر.
فكيف حين يشتد البلاء وتصبح الأيام امتحانًا للصبر؟
كانت الزهراء 
 الحضن الذي احتضن قلب النبي بعد يتمه وفقد زوجته خديجة الكبرى 
. لم تكن ابنة فحسب، بل كانت أمًّا عاطفية، سندًا نفسيًا، وروحًا تداوي جراح الرسالة.
حتى قال فيها المصطفى: «فاطمة أم أبيها».
هذا هو درس البر الحقيقي: لا جفاف في العلاقة، لا صوتًا قاسيًا، ولا نظرةً موجعة.
قلوبٌ تهدي الراحة… وأرواح تجعل الوالدين يعيشون السعادة في وجود أبنائهم.
الزوجة الصالحة… سكنٌ ورحمة
قال رسول الله 
:
«من سعادة المرء الزوجة الصالحة» [2] .
والسكن الحقيقي لا يُبنى بالجدران، بل بالمودة والرحمة.
في بيت علي وفاطمة، كان الحب عبادة، والكلمة الطيبة صدقة، والتقدير لغة دائمة.
يقول أمير المؤمنين 
:
«كنت أنظر إليها فتنجلي عنّي الهموم والأحزان». [3]
هكذا تكون الزوجة الصالحة… سندًا، حضورًا طيبًا، وقلبًا يزرع الطمأنينة. وهكذا يكون البيت مدرسة حب، لا ساحة جدال.
مدرسة التربية… الجيل الذي غيّر العالم
لم تكن الزهراء أمًا تُطعم أبناءها خبزًا فقط، بل كانت تطعم أرواحهم قيَم السماء:
الإيثار… الصبر… الجرأة… التضحية…
خلّد القرآن موقفهم العظيم:
﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا﴾
وكانت تغرس فيهم الحب الإنساني قبل حب الذات، تردد عليهم:
«يا بني… الجار ثم الدار»
بين يديها تربى الحسن والحسين وزينب… أقدس قادة عرفهم التاريخ.
الزهراء… قدوة حياة
حين نقرأ الزهراء، لا نقرأ تاريخًا جامدًا… بل دواءً يعالج أمراضنا:
القلق الروحي
القسوة داخل البيوت
العنف في التربية
غياب المودة
وتشتّت القيم
إنها قدوة متحركة… امرأة صنعت جيلاً، وأصلحت أمة، وعلّمت البشرية أن النور قد يكون في بيتٍ متواضع لكنه متصل بالله.
فلنقرأ الزهراء لا بعيون التاريخ وحده، بل بعيون القلب…
ولنجعل سيرتها بوصلةً تعيدنا إلى طمأنينة الإيمان، وبرّ الوالدين، وسكينة البيوت، وتربية العطاء.






