قراءة ما بين السطور

قراءة ما بين السطور هي القدرة على فهم معان خفية أو ضمنية أو غير مباشرة في النصوص، وذلك إما من خلال سياق النص أو بعض التلميحات، أو من خلال ما لم يُقَلْ فيها لكونها نصوصًا متعددة الطبقات. ويتطلب هذا النوع من القراءة مهارة خاصة وفهمًا للسياقات الثقافية والاجتماعية، لا تتوفر لدى الجميع.

فحينما يكتب كاتب عن موضوع ما ويذكر أحداثًا أو شخصيات معينة ويهمل أخرى يفترض ألا تهمل أو تنسى، فذلك مثلًا مما يختبئ بين السطور، يكتشفه البعض ولا ينتبه له آخرون. وحينما يحاول الكاتب أن يكتب ببهجة عن حدث ما، أو بحزن عن آخر، يستطيع أن يخفي داخله نقيضه بحيث لا يستطيع إلا اللبيب والخبير اكتشافه. لذلك فإن البعض يسميها «كلمات مهرّبة»، قد يقصد الكاتب أو لا يقصد إخفاءها، لأن بعض العبارات تكشف عن توجه كتّابها وإن لم يرغبوا في ذلك، كما تكشف لغة الجسد ما يحاول المتحدث إخفاءه. وحتى اختيار كلمة معينة دون غيرها وتكرارها قد يخفي وراءه هدفًا، كما يمكن لتوقيت نشر مادة ما أن يتضمن ما يتضمن مما بين السطور.

ويسمي البعض هذه المَلَكَة على القدرة على قراءة ما بين السطور بالعدسة الفريدة، التي قد تتشكل من البيئة ومن التجارب الشخصية، والمستوى العلمي، ومن الحصيلة اللغوية المتأتية من القراءة الواعية العميقة أو القراءة التحليلية، ومن القدرة على الربط والاستنتاج، وهي جميعها تُمَكّن من التقاط الدلالات الخفية والإشارات المجازية للألفاظ، وحتى فهم نوايا الكاتب التي تختفي خلف الكلمات.

أما أصل استخدام هذا اللفظ فيعود إلى أوروبا في القرن التاسع عشر، حيث استخدم في البداية حَرْفيًّا لتشفير الرسائل، إذ كان بعض القادة السياسيين يكتبون معلومات سريّة بالحبر السري يخفونها بين سطور الرسائل، وتظهر عند تعرضها للحرارة، لكنه مع الوقت استُخدِم مجازيًّا في الأدب والكتابات العامة، ثم انتشر عالميًّا.

أما لماذا قد يخفي كاتب بعض أفكاره وتوجهاته بين السطور فذلك لأسباب؛ منها حماية نفسه، وخوفه من محيطه ومجتمعه، وربما لأنه لا يريد أن يفتح عداوات جديدة على نفسه أو أن يتحمل مسؤولية التصريح المباشر بموقف أو فكرة ما، أو ربما لتجنب إيذاء مشاعر الآخرين، أو لأنه غير متأكد من موقفه من موضوع ما، ويريد بذلك ترك الباب مواربًا لأي تغيرات مستقبلية، وربما لأنه يريد أن يفهمه صنف معين من الناس فقط أو من يستحق ذلك الفهم خاصة.

ويستخدم بعض الكتّاب لـ «تهريب المفاهيم» بعض التلميحات أو الاستعارات أو رموزًا معينة يفهمها أناس محددون أو شريحة معينة، أو من له علاقة بالموضوع المكتوب فقط، حتى إن منهم من لا يفهم بعضها إلا بعد مدة أو عند حصول حدث ما. ويعتمد كل ذلك على كفاءة الكاتب وقدرته على التلاعب بالألفاظ أو إخفاء بعضها حسب ما يقتضيه منه الأمر.

وهناك العديد من الكتب والروايات التي أخفت وراءها معاني عميقة، من أبرزها عربيًّا كتاب كليلة ودمنة، الذي يقال إن بعض مواده كتبها ابن المقفع، أو بالأحرى أضاف إلى متنها الأصلي بعض المواد التي تنتقد بعض الحكام، وربما تنصحهم بشكل غير مباشر عبر ذكر قصص الحيوانات. أما عالميًّا فرواية «مزرعة الحيوان» للروائي جورج أورويل، التي كانت تنتقد بعض الأنظمة الشمولية ولم تكن مختصة فقط بالحديث عن الحيوانات.

وأخيرًا ينصح القراء بعدم المبالغة في التأويل وقراءة ما بين السطور حتى لا يقعوا في فخ قراءة ما لا يقصده الكاتب، أو تحميل النص ما لا يحتمل واختراع معان من الخيال وتبني تأويلات متطرفة مما يقرؤون.