أبي عبر السنين
أصبحت الأيام والسنوات تنطوي وتمر كالسحاب، وأصبحنا في أعمار أبائنا حين فارقناهم، لم ننسهم رغم رحيلهم عنا، نراهم بين الحين والأخر، ونتذكر كيف كانوا يتحملون تصرفاتنا وسلوكنا وكيف سعوا إلى توفير ما أمكنهم لإسعادنا وتربيتنا تربية صالحة، فهل كنا كما كانوا؟
أبي يا من نظرتُ اليك فوجدتك بين المصلين ترفع صوتك بالأذان منادياً «الله أكبر».
يا من أقبلتُ عليك، فرأيتك في خلوتك تصلي صلاة الليل وتقرأ القرآن وتدعوا لنا بأكفٍ مرفوعة بالتوفيق والنجاح والهداية.
أبي يا نهراً هادئاً كان يجري بنا ولا نحس فنستضيء به، أبي ذلك الرجل البسيط المتواضع الذي أحبه الصغير قبل الكبير، ”أحمد حمود“ «أبو مصطفى» هذا الاسم الذي لصق بأبي وعُرف به، ولا زال يتذكره البعض ولم ينسه، أبي صاحب الابتسامة وقلة الكلمة المترنم بالدعاء وأبيات أهل البيت بينه وبين نفسه. يا سيدي أنت في نعمة كبيرة من الله غزّ وجل ما دام والدك معك وتعيش تحت ظلّه وبركته، فالإنسان لا يحسّ بقيمة هذه النعمة إلا حين يفقدها. فبمجرد فقدان الأب تتغير موازين الحياة، وكأن عمود الخيمة انكسر فتحطمت وسقطت، ونلاحظ الكثير من العائلات تشتت وتفرقت بمجرد فقدان الأب، وكأنها أصبحت لا تنتمي إلا إلى مكان يأويها للنوم، فالأب هو اليد التي تعمل بصمت بلا كلل ولا ملل، وتنفق بصمت، وتدمع عيونه حين يشعر بالتقصير أو قلة الحيلة وأيضاً بصمت.
فنحن الأباء مسؤولون أمام الله عز وجل في تربية أبنائنا تربية صالحة، تربية على طاعة الله عزّ وجل، تربية على المحبة والاحترام، تربية على البر والتقوى.
وأحببت أن أتطرق إلى نقطة صغيرة في صدد هذا الموضوع والتي يعاني منها الكثير من الناس وخاصة في الأونة الأخيرة. وهي رسالة إليك أنت أيها الأب العزيز، وخاصة في الظروف الراهنة، وما يجري على المجتمع من ظروف تتعلق بالتغيرات في الوظائف، أو تسريح بعض الموظفين وانقطاعهم عن العمل بسبب التطورات الجديدة الملحوظة، وصعوبة المعيشة وارتفاع الأسعار وغيرها،،،
وهذا الانقطاع عن العمل قطعاً له جانب سلبي جداً في حياة الإنسان ويسبب خلل في الحياة المعيشية وتغيير في الحياة المستقبلية التي يرسمها البعض لمستقبل عائلته.
فهل تجلس أنت أيها الأب العاطل عن العمل أم تثابر وتجاهد لطلب لقمة العيش الحلال التي تحفظ بها كرامة وجهك وتتكفل بإعالة عائلتك؟، فأنت المسؤول، فطالما أن الله عز وجل من عليك بالصحة والعافية والقوة والمقدرة على العمل فلا تنتظر وتجلس مكبل اليدين وتعتمد على غيرك. كالذين يعتمدون تمام الاعتماد على زوجاتهم، ولهذا الموضوع معالجة أخرى ليس محلها هذا المقال.
أما رسالتي لأبنائي الشباب، فهي الرفق والرحمة بالآباء والأمهات فهم بركة البيت وهم الظل الذي يظلل عليكم وتستفيؤا تحت ظله في أسوأ الظروف. فلا تكلفوهم فوق طاقتهم فترهقوهم.
قال تعالى: ﴿۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]
وقفة تأمل:
أبي وأمي، إن الله عز وجل أمر ببركم، فأنتم طريق من طرق الوصول للجنه. فإن كانوا كذلك. أفلا يستحقون منا الاحسان والطاعة والاحترام، والبر والتقوى قبل فوات الأوان.
اللهم اغفر لي ولوالدي كما ربياني صغيرا واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا. يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين