من الطب الوقائي عند الإمام الرضا (ع)
كان الإمام علي بن موسى الرضا مدرسةً جامعةً بين الحكمة الإلهية والمعرفة الإنسانية، حتى إن كلماته القصيرة كانت تحمل في طياتها أصول الطب الوقائي الذي يسبق علوم اليوم بقرون، ويؤسس لثقافة صحية متوازنة تحافظ على الجسد وتقيه من الأمراض.
1. حماية الأسنان من التسوس
قال : «من أراد أن لا يفسد أسنانه فلا يأكل حلواً إلا أكل بعده كسرة خبز».
اليوم يؤكد أطباء الأسنان أن السكريات غذاء للبكتيريا الفموية التي تنتج أحماضًا تذيب مينا الأسنان، وأن تنظيف الفم مباشرة بعد الحلوى أو تناول أطعمة تمسح بقايا السكر - كالخبز الجاف - يحد من خطر التسوس.
2. تنشيط الذاكرة وتحفيز الدماغ
قال :«من أراد أن يزيد في حفظه، فليأكل سبع مثاقيل زبيباً بالغداة على الريق».
وقد أثبتت الأبحاث أن الزبيب غني بالسكريات الطبيعية سريعة الامتصاص، والحديد، ومضادات الأكسدة، وهي عناصر تغذي الدماغ وتحسن التركيز والذاكرة، خاصة عند تناوله على معدة فارغة.
3. الاعتدال في الأكل
قال :«ليس شيء أبغض إلى الله عز وجل من بطن ملآن».
الطب الحديث يؤكد أن الامتلاء المفرط يرهق المعدة، ويزيد من خطر السمنة وأمراض القلب والسكري، ويؤدي إلى الخمول الذهني والجسدي. الاعتدال في الطعام أساس لصحة طويلة الأمد.
4. حماية المعدة أثناء الأكل
قال :«ومن أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب على طعامه ماءً حتى يفرغ منه».
ويفسر الطب ذلك بأن شرب الماء بكثرة أثناء الأكل يخفف تركيز العصارات الهاضمة، ويبطئ الهضم، وقد يسبب الحموضة والارتجاع.
5. فلسفة الحمية المتوازنة
قال :«ليس الحمية من الشيء تركه، إنما الحمية من الشيء الإقلال منه».
هذه القاعدة الذهبية تتفق مع مبادئ التغذية الحديثة التي تحذر من الحرمان التام وتشجع على الاعتدال، فالمشكلة ليست في نوع الطعام وحده بل في كميته.
6. التمهيد للهضم ومراعاة الفروق الفردية
قال : «ابدأ في أول طعامك بأخف الأغذية التي يغتذي بدنك، بقدر عادتك وبحسب وطنك ونشاطك وزمانك».
الحكمة العلمية من هذه الكلمة أن الجهاز الهضمي يعمل بكفاءة أكبر عندما يبدأ الإنسان طعامه بأغذية خفيفة وسهلة الهضم، لأن ذلك يهيئ المعدة والإنزيمات الهاضمة للعمل التدريجي دون إرهاق مفاجئ.
كما أن مراعاة العُرف الغذائي للشخص «عادتك»، وطبيعة البيئة والمناخ «وطنك»، ومستوى النشاط البدني «نشاطك»، والفصل أو الظروف المناخية «زمانك»، تتوافق مع مبادئ التغذية الحديثة التي تؤكد أن الاحتياجات الغذائية تختلف باختلاف الفرد والظروف المحيطة به، مما يساعد على تحقيق التوازن الغذائي، وتحسين الهضم، وتجنب الاضطرابات المعوية.
في الخاتم:
لقد قدّم الإمام الرضا منهجًا صحيًا متكاملاً، يقوم على الوقاية قبل العلاج، وعلى التوازن بين حاجة الجسد وضبط الشهوة، وعلى إدراك دقيق لعلاقة السلوك الغذائي بصحة الإنسان الجسدية والنفسية.
وما أجمل أن نجعل هذه التوجيهات برنامجًا عمليًا في حياتنا، فهي ليست مجرد كلمات من الماضي، بل وصفات حيّة تحفظ الصحة وتطيل العمر ببركة الاعتدال والحكمة.