العقل ميزان القرار... والعاطفة زينة الطريق
في حياتنا، نحن محاطون بعشرات المواقف التي تتطلب منّا أن نختار، أن نقرر، أن نرسم لأنفسنا طريقًا نسير عليه. غير أن الاختيار ليس دائمًا مسألة منطقية باردة، فكثيرًا ما يتدخل القلب ليصبح القائد الفعلي لرحلة القرار، تاركًا للعقل مقعد الراكب.
قد يبدو الأمر في البداية مشهدًا إنسانيًا جميلاً، إذ للعاطفة جاذبية خاصة، ودفء يمنحنا إحساسًا بالأمان والقرب. لكن حين تتفوق العاطفة على العقل في قيادة قراراتنا، نجد أن الطريق قد ينتهي بنا إلى حيث لم نخطط، وربما إلى حيث لا نريد.
من خلال تجربة شخصية مررت بها، اكتشفت أن الدخول في أي علاقة مع أي شخص — سواء كانت علاقة عمل أو صداقة أو تعاون بثقة غير مدروسة، يمكن أن تكون عواقبها مؤلمة، وأحيانًا كارثية. وهذه ليست مشكلة فردية أو خاصة بفئة معينة، بل هي سلوك منتشر في المجتمع بين الرجال والنساء على حد سواء، إلا قلة استطاعت أن توازن بين دفء القلب وحكمة العقل.
الخلل الجوهري في هذه المعضلة يكمن في هيمنة التفكير العاطفي على التفكير العقلي. فنحن حين نحب أو نتعاطف أو نشعر بالقرب من شخص ما، خاصة إن كان قريبًا أو صديقًا، نميل إلى منح ثقتنا دون تمحيص، ونغض الطرف عن مؤشرات التحذير. الأمر يصبح أكثر خطورة عندما يتعلق بمشاريع العمل، أو اتفاقات مالية، أو التزامات طويلة الأمد.
في تلك اللحظات، يغيب المنطق عن المشهد، وتسيطر رغبتنا في الحفاظ على الانسجام والمشاعر الطيبة، فنرفض حتى أن نطرح الأسئلة الصعبة أو نتحدث عن التفاصيل الحساسة. وهذا بدوره يترك الباب مفتوحًا أمام سوء الفهم، والالتزامات غير الواضحة، والنزاعات المستقبلية التي كان بالإمكان تفاديها بجرعة من العقلانية والتخطيط المسبق.
لكن، وهنا نقطة التوازن، أنا لا أدعو إلى إلغاء العاطفة من معادلة الحياة. العاطفة ليست عيبًا ولا خطرًا بذاتها، بل هي جوهر إنسانيتنا، وهي التي تمنح قراراتنا طابعًا دافئًا بعيدًا عن الجفاف. المطلوب هو المزج الواعي بين الاثنين: أن نصغي لنبض القلب، لكن نعرضه على ميزان العقل قبل أن نوقع على أي التزام أو نمضي في أي مسار.
لذلك، حين يأتيك طلب أو مقترح من قريب أو صديق، توقف قليلاً، وادرس الأمر من كافة الزوايا. اسأل نفسك: ما المكاسب؟ ما المخاطر؟ ما الحلول البديلة؟ وماذا لو تغيرت الظروف فجأة؟ لا تكتفِ بإجابات مبدئية، بل ضع خططًا واضحة للتعامل مع أي مفاجآت، حتى لا تجد نفسك أمام مأزق كان بالإمكان تجنبه.
تذكر أن العقل هو حارس القرار، وأن العاطفة هي الزينة التي تجمله. لكن الزينة وحدها لا تحمي الطريق من الانحراف، كما أن الحارس وحده يجعل الرحلة جافة بلا روح. الحكمة الحقيقية هي في أن تجعلهما يعملان معًا، بحيث يضيء القلب المسار، ويقيم العقل الجسور الآمنة لعبوره.
الزبدة لا تترك بوصلة حياتك تتأرجح بين دفء القلب وبرود العقل؛ اجعل الاثنين يتقاسمان القيادة. فالقلب يفتح الأبواب، والعقل يمنح تصريح المرور. ومن يملك هذا التوازن، يسير واثقًا، لا يضل ولا يتعثر.