التدخل في شؤون الاخرين

حماية المجتمع من أصحاب النفوس المريضة

تقول الحكمة المأثورة: لا تراقب الناس، ولا تتبع عثراتهم، ولا تكشف سترهم، ولا تتجسس عليهم، اعمل على أصلاح نفسك فقط لأنك ستسأل عنها لا عن غيرك.

حماية المجتمع من الأفراد ذوي النفوس المريضة تعد أولوية مهمة لضمان الاستقرار وتعزيز العلاقات الصحية بين أفراد المجتمع. فالإسلام يرفض بشدة سلوكيات معينة، مثل التدخل في شؤون الآخرين وخصوصياتهم، إذ يعتبر هذا السلوك غير أخلاقي وينبع غالباً من غيرة أو حسد، وهي خصال يرتكبها أصحاب النفوس المريضة.

يرى المتخصصون أن الأشخاص الذين يتدخلون في خصوصيات الآخرين غالباً ما يعانون من شعور بالنقص، ويبحثون عن لفت الانتباه لتعزيز مكانتهم الوهمية. وعلى الرغم من تمسكنا بمفهوم الخصوصية على المستوى النظري، نجد أن الواقع يعكس عكس ذلك، حيث تنتشر التدخلات في حياة الآخرين بشكل ملحوظ، مما يخلق الخلافات والفرقة بين الأفراد.

في مسيرة الحياة، تجد علاقات الإنسان مع محيطه، سواء داخل الأسرة أو مع الأقارب والأصدقاء والزملاء، نفسها أمام تحديات مستمرة. تتراوح هذه العلاقات بين تعزيز قيم المحبة والألفة والاحترام، وحماية الأسرار والعمل بإخلاص لتحقيق أهداف سامية تساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، وبين لحظات الخلاف التي قد تؤدي إلى تدهور العلاقات وانقطاعها. أسباب ذلك قد تكون متنوعة، مثل سرعة الانفعال، النقد المبالغ فيه، أو خلافات تنشأ من اختلاف وجهات النظر أو الظروف المحيطة.

التدخل في شؤون الآخرين هو سلوك لا أخلاقي منتشر في المجتمع بقصد تصيد أخطاء الآخرين أو إزعاجهم واستفزازهم، والشخص المتطفل لا يحترم خصوصيات الآخرين ولا مشاعرهم ولا أحاسيسهم وظروفهم الخاصة، وهو قد يكون أيضًا مدفوعًا بالحسد، حيث لا يتمنى الخير لغيره. كما يعاني هذا النوع من الأشخاص من اضطرابات نفسية واجتماعية، تجعلهم يجدون سعادتهم في التدخل في حياة الآخرين. علاوة على ذلك، يتسم معظمهم بضعف في القيم الدينية والثقافية والأخلاقية، مما ينعكس على جوانب شخصيتهم وسلوكهم.

ومع الانتشار المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل متابعة أحوال الآخرين ومعرفة مستجداتهم، لكن هذا قد يتجاوز أحيانًا حدود الخصوصية ليصل إلى التدخل في حياتهم الشخصية، أو إطلاق الأحكام عليهم، بل وحتى محاولة فرض الآراء تحت مسمى النصيحة أو التعبير عن الرأي.

مثل هذه التصرفات تُعد شكلاً من أشكال التطفل وإزعاج الآخرين، وينبغي تجنبها، إذ حثنا النبي صلى الله عليه وآلة وسلم على تلك القيم بقوله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

وعليه، من الأفضل للإنسان أن يخصص جهوده لتحسين ذاته وتهذيبها، بعيدًا عن مراقبة الآخرين، وأن يعمل على تطوير نفسه ليكون نموذجًا إيجابيًا وفعالًا في حياته.

حلول للتعامل مع الأشخاص الفضوليين:

وحول الحلول للتعامل مع الأشخاص الفضوليين لابد من توجيههم من خلال معرفة المساحات النفسية المسموح الدخول فيها مع الآخرين سواء على مستوى حياتهم العامة أو الخاصة والتي لا يجوز اقتحامها وتدريبهم على هذه المهارات بالإضافة إلى إرشادهم في كيفية إدارة الوقت والسمات الذاتية بطريقة أكثر جودة تتناغم مع القيم الاجتماعية والدينية والاخلاقية الموجودة في المجتمع.

وأفضل طريقة لدرء مشاكل المتطفلين وضع حدود ومساحات معينة مع الآخرين وعلى الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية وحتى وسائل الإعلام أن ترسخ مبدأ «خصوصية الفرد» لأنه ينمي الثقة بالنفس ويحفز على الإبداع والإنجاز.

وفي الأخير نقول:

احترموا الحياة الشخصية والخصوصية للإنسان، فاحترام الخصوصيات من أعظم المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، وهي مزية المثقفين وصفة المهذبين وشعار الناجحين.

يتبين لنا أن احترام خصوصية الآخرين ليس مجرد خيار يمكن التغاضي عنه، بل يشكل ركيزة أساسية لبناء مجتمع قوي ومتماسك. فالابتعاد عن التدخل في شؤون الغير يعد الخطوة الأولى لتعزيز الثقة المتبادلة وتقليل الأعباء النفسية والاجتماعية. لذلك، من الضروري أن نلتزم جميعًا بوضع حدود واضحة في علاقاتنا مع الآخرين، مستوحين من التعاليم النبوية التي تذكر أن من كمال إسلام المرء أن ينأى بنفسه عما لا يعنيه. فحرية الفرد تقف عند حد حرية الغير، ولن نشهد ازدهارًا حقيقيًا للمجتمع إلا من خلال احترام حق كل شخص في اختيار أسلوب حياته بما يراه مناسبًا له.

فلا تحولوا خصوصيات الأشخاص إلى مزاد يقبل عليه كل من أقتات على الفضول وعاش على التطفل، لا تجعلوا قيمة احترام الخصوصية تتضاءل امام فضول مجتمعنا ورغبة أبنائه في تتبع أحوال الناس والعبث بأسرارهم، فلا تهدروا هذه القيمة الحضارية السامية، كأننا تتدخلوا في حياة الاهل والأصدقاء بحجة النصيحة والقرابة أ والصداقة إذ أن للنصح والتوجيه حدود وآداب وأعراف ينبغي الالتزام بها وعدم تجاوزها وجعلها خلف الظهر، فحينما نتجاوز تلك الحدود يصبح تدخلنا محرما وممنوعا لأننا اعتدينا على حرمة القرابة والصداقة ودخلنا مساحات في حياتهم الخاصة ليس من حقنا التعرف عليها، منتهكين قواعد الأدب والذوق، وقد جاء عن النبي محمد صل الله عليه وآلة ما يؤكد ذلك: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس»، فالإنسان الناجح هو الذي يبدأ بتهذيب نفسه ونصحها ويهتم بشؤونه ويحل مشاكله ويشخص عيوبه، ابتعدوا عن التطفل وانبذوا الفضول لأنه يزعج الناس ويؤذيهم، لا تجعلوا الناس همكم الشاغل وتنسون أنفسكم وتغفلون عن مشاكلكم.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية