التغيير الغذائي

جلست فاطمة على مائدة الغذاء تتأمل ابنها علي، وهو يزيح الخضار جانبًا مكتفيًا بقطعة خبز. رفعت حاجبها وهمست في سرّها:

— ”يا لعناد هذا الطفل! كيف أقنعه أن الطعام ليس عدوًا؟“

لكن المعضلة لم تكن في علي وحده؛ فالأب كان يجلس على الطرف الآخر من المائدة، ممسكًا بساندويتش ضخم من الوجبات السريعة. ألقى نظرة متعالية على صحن السلطة وقال:

— ”أنا جائع… وهذه السلطة لا تُشبعني!“

سمع علي كلام أبيه، فمال برأسه متحديًا:

— ”وأنا مثلك يا بابا… لا أحبها!“

اشتعل القلق في قلب فاطمة؛ عناد الأب ينعكس مرآةً على الابن، فتضاعفت الحيرة.

في يومٍ ما اقتربت الأم من علي بابتسامة وقالت:

— ”تعرف يا علي، عندي لعبة جديدة… انظر إلى هذا الطبق!“

أمسكت بجزرة وقطعتها دوائر صغيرة، أضافت شريحة خيار وقطعة طماطم، ورتّبتها على شكل وجهٍ مبتسم. انفجر علي ضاحكًا:

— ”هاها! هذا يشبهك يا أمي!“

ضحكت فاطمة وقالت:

— ”جرب أن تمد يدك…“

مد يده مترددًا وتذوّق الطماطم، وكانت تلك أوّل مرة يأكلها دون اعتراض.

أما الأب، فاكتفى بالصمت والمراقبة.

في مساء أحد الأيام، جلست فاطمة تقضم تفاحة وقالت بمرح:

— ”كم أحب هذه التفاحة! لذيذة وصحية… هل تجربها مثلي؟“

هزّ الأب رأسه رافضًا:

— ”تفاحة؟! لا أستسيغها.“

لكن علي، وقد لمح ابتسامة أمه، أخذ قضمة صغيرة وقال متفاجئًا:

— ”ممم… ليست سيئة كما كنت أظن!“

ابتسمت الأم بارتياح، فيما ظل الأب يخفي عناده خلف صمته.

اتّبعت الأم أسلوبًا جديدًا:

مرةً تقدّم لعلي صنفًا جديدًا بجانب طعام يحبه، فيرفض أولًا ثم يجربه بعد قليل.

مرةً أخرى تدعه يختار بين نوعين، فيعاند ثم يمد يده مترددًا.

وأحيانًا تعيد تقديم الصنف بعد يومين، فيصرخ: ”ألم أقل لك إني لا أحبه؟“ … لكنه يذوقه في النهاية.

أما الأب فظل يكرر بابتسامة متصلبة:

— ”أنا رجل كبير… وهذه العادات لا أغيّرها.“

لكن فاطمة لم تيأس؛ تستبدل المشروب الغازي بعصير طبيعي، وتقدّم البطاطس المشوية بدل المقلية، وتضع صحن السلطة دائمًا أمامه. ومع تكرار المحاولات، بدأ الأب يلين قليلًا، يمد يده إلى الخيار متذرعًا:

— ”فقط لأجل علي!“

مرت الأيام، فإذا بعلي يكتشف ألوانًا جديدة: البطاطس المهروسة، حساء العدس الناعم، السلطة ذات الألوان الزاهية… وصار طبقه لوحةً من التنوع. حتى الأب نفسه بدأ يشاركهم التجربة ضاحكًا:

— ”يبدو أنني كنت أعاند أكثر من علي!“

وفي أحد الأيام، قال علي بفخر:

— ”ماما، أنا الآن آكل مثل الأبطال… جسمي سيصبح قويًا!“

ابتسمت فاطمة وربتت على كتفه، ثم نظرت إلى زوجها الذي قال مبتسمًا:

— ”وأنا أيضًا بدأت أتعلم منكم… يبدو أن الطعام الصحي ليس مملًا كما كنت أظن.“

8 نصائح للتغيير التدريجي نحو الغذاء الصحي

1. خطوة صغيرة كل أسبوع

لا تغيّر كل شيء دفعة واحدة. ابدأ بخطوة واحدة مثل إضافة ثمرة فاكهة يوميًا أو تقليل المشروبات الغازية إلى نصف الكمية.

2. التبديل الذكي

استبدل الأطعمة غير الصحية بأخرى قريبة في الطعم:

البطاطس المقلية → بطاطس مشوية بالفرن.

العصائر الصناعية → عصير طبيعي.

الخبز الأبيض → خبز كامل الحبوب.

3. اجعل الصحن ملونًا

أضف نوعًا واحدًا جديدًا من الخضار أو الفاكهة مع الوجبة. الألوان تفتح الشهية وتضيف قيمة غذائية.

4. لا تحرم نفسك فجأة

التغيير المفاجئ قد يولّد مقاومة. اسمح لنفسك بوجبة مفضلة أحيانًا، لكن بكميات أصغر.

5. حضّر طعامك بنفسك

التحضير المنزلي يعطيك فرصة للتحكم في المكونات. جرّب وصفات صحية مبسطة باستخدام زيت أقل وبهارات طبيعية.

6. قسم الكمية

بدلًا من حذف الطعام غير الصحي، قلّل حجمه تدريجيًا: نصف قطعة، ثم ربع، حتى يصبح شيئًا عابرًا.

7. اجعل الماء صديقك

ابدأ باستبدال كوب واحد من العصير أو المشروبات الغازية بكوب ماء يوميًا، ثم زد الكمية تدريجيًا.

8. الصبر مفتاح التغيير

قد تحتاج الأذواق إلى وقت لتتأقلم. لا تيأس إذا لم تحب طعامًا صحيًا من أول مرة، أعد تجربته بطرق مختلفة.

تذكر جيدا:

أن التغيير التدريجي ينجح لأنه يعلّم الجسم والعقل التكيف مع عادات جديدة دون صدمة أو شعور بالحرمان.

إن التغيير لا يحدث دفعة واحدة، بل بخطوات صغيرة تتكرر حتى تصير عادة.

أخصائي التغذية العلاجية