الأرجوحة
جلست في أحدى الليالي على الصخور بجانب البحر، وكان في الجهة المقابلة أب وطفلة صغيرة جالسة تلعب بالمرجيحة وهي تبتسم من الفرحة، أغمضت عيني وهلة، فأخدني التفكير والخيال إلى عالم بعيد فدونت عنوان هذا المقال، تذكرتُ ذكريات في الطفولة لن تعود، كيف كنا؟ كيف كانت مرجوحتنا في القديم؟، كم تأرجحنا وتمرجحنا وطرنا في الهواء، وسقطنا وتألمنا، ولكن ما بكينا خجلين بل نهضنا ضاحكين، ومن جديد نُصلح الحبل الضعيف... والسعادة والسرور تملأ الوجه البهيج، لا تمللنا ولا صحنا ولا عاتبنا الصديق، حين مرجَحَنا بقوة وسقطنا من جديد.
كانت من أجمل الأيام التي قضيناها في حياتنا، هي أيام الطفولة في الزمن القديم، حيث القلوب الطيبة والنفوس الطاهرة، والأخلاق الراقية والحب الصادق بين الأصدقاء، كنا في تلك الأيام نخرج مع جيراننا وأصحابنا للمزارع ومعنا حبال فنربطها بين الأشجار أو بين النخيل، ونصنع تلك المرجيحة البسيطة فنتداول في الصعود عليها للتمرجح. فكان شخص يجلس على المرجيحة والأخر يدفعه للأمام وكانت السعادة والفرحة تغمرنا، وكم من المرات انقطع الحبل وسقطنا منها وتألمنا وعاودنا الصعود، كانت ألعابنا بسيطة وسهلة، حيث كنا نجتمع بعد المدرسة مع الأصحاب ونذهب لملاعب الحواري لنلعب كرة القدم، أو نلعب ألعاب الطيبين الموسمية بجانب المنازل. من دوامة، وتيلة، وتختة، وبطش وتوبة، وصيده، وعنبر، أو نجلس في المجالس نشرب الشاي ونتداول الحديث ونلعب الدومنة أو الكيرم والبعض يلعب الزاتة «الورقه».
وانطوى العُمر سريعاً وتلاشى الطيبون
وبقي جيلً جديدً مُبتلى في عصرِ حين
حيث صار النِت فيه كالهوى للطالبين
فإذا ما انقطع النت قليلاً صار كالطفل الحزين
في صراخٍ وصياحٍ يطلب النت اللعين
حيث صار الكون أكمل كلهم منشغلين
بين لودو، بين سوني بين العاب الخيال
بين سوشل بين ميديا بين تكتك تائهين
بين فيس بوك بين واتس اب بسناب ولهين
منشغلين بين يوتيوب وانستقرام وتلقرام وأفلام الذكاء الاصطناعي ذلك الشيء العجيب، حتى صار التلفاز في البيت من الماضي القديم.
فمن ألوم أذلك الطفل الصغير، أم ذلك الشيخ الكبير، أم أُمهم تلك العجوز، حتى أُمي أدمنت وبالسناب انشغلت تأثرت من جيلهم، تعلمت من علمهم، شجعوها، هيا أمي صوري وفي السناب وثقي، وتابعي وانشغلي، فتارة ترفع صوراً، وتارة تضرب حنكاً كلها قيلٌ وقال في سوالف لا تُقال، فأصبحت حياتنا مكشوفة وللملأ مفضوحة. فمن ألوم، فيا ليتني بَقيت فوق تلك المرجوحة
وقفة تأمل:
كم كنا أقوياء أصحاب أصول وأعراف متماسكين أفكارنا مترابطة وأجسادنا وعقولنا صحيحة وقوية فتحير المتحيرون فينا حتى تمكنت منا تلك التقنيات فصارت مصدر شلل للعقول، فأصبحنا منشغلين بأهوائنا، خاملين الأجساد كسولين العقول غير مفكرين ولا منجزين، ومع الأسف أصبحنا كشبكة العنكبوت الواهنة والضعيفة، جدارنا ضعيف وليس لنا أهداف ولا طموح.