حين يغيب الله عن قلب البخيل

بحثتُ مرتين، وبتمعّن عميق، في الآيات القرآنية الشريفة، والأحاديث النبوية، والروايات المعتبرة، باحثًا عن موقف الإسلام من آفة البخل، فهالني ما وجدت من إجماعٍ واضح وحاسم في الكتاب والسنة على ذمّ هذه الخُلق الذميم. ليس ذمًّا عابرًا، بل توصيفًا صريحًا لما يعنيه أن يُصاب قلب الإنسان بهذه العلّة: أن يُقصى الله عنه.

فالبخل، في حقيقته، ليس مجرد سلوك فردي ممقوت، بل هو انعكاس مباشر لضعف الإيمان بوعد الله. إن المسلم البخيل لا يتجاوز إيمانه حدود لسانه، بينما قلبه مشغولٌ بذاته، محاصرٌ بالخوف من الفقر، مشدودٌ إلى الدنيا وشهواتها.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

> ﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً [البقرة: 268].

هنا تتجلى المفارقة: الشيطان يبثّ الخوف، والله يَعِد بالفضل. أما البخيل، فقلّ أن يُصغي لوعد الله، وإن نطق به؛ لأن يقينه بالحياة لا يتعدى عالم المحسوس، بينما يُفترض أن الإيمان ينفذ إلى الغيب، إلى ما عند الله.

ويؤكد تعالى في موضع آخر:

> ﴿ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌّ لهم [آل عمران: 180].

فالله يذكّرهم أن المال الذي بين أيديهم هو فضلٌ منه، وليس ملكًا مطلقًا. وإنهم إن ظنوا أن البخل يحفظ عليهم هذا الفضل، فهم واهمون، بل هو شرّ مدخّر ضدّهم.

وجاء في الحديث النبوي الشريف:

> ”لا يجتمع الشحّ والإيمان في قلب عبد أبداً“

عبارة قاطعة. لا تحتمل التأويل. البخل يتنافى مع الإيمان، كما يتنافى النور مع الظلام. فإما أن يسكن القلب يقينٌ بوعد الله، وإما أن يسكنه الشحّ، ولا يجتمعان.

ومن سيرة أهل البيت ، نستلهم الموقف العملي من المال والعطاء؛ فقد كان الإمام الحسن المجتبى لا يُسأل شيئًا إلا أعطى، وقيل له مرة: ”نخشى عليك الفقر!“ فقال: ”إني أستحي أن أُرى سائلًا على بابي ونعمة ربي عليّ قائمة.“

هكذا يُربى القلب المؤمن: في الحياء من الله، لا في الخوف من النفقة.

أما اليوم، فقد ترى البخيل ساجدًا في أقدس البقاع، يطيل الركوع عند الكعبة، أو يذرف الدموع في مسجد النبي، ومع ذلك، يظل قلبه معلّقًا بخزائنه، لا بربّ خزائن السماوات والأرض. تصحبه أوراده، لكن لا يصحبه اليقين، وتتردد على لسانه الأذكار، لكن لا يسكن في قلبه الله.

إن البخل ليس مسألة مال، بل مسألة إيمان. ليس مشكلة جيب، بل مشكلة قلب.

فيا من ابتُليتَ بشيء من هذا الداء، اسأل نفسك بصدق:

هل تؤمن حقًا أن الله يخلف ما تنفق؟

هل تطمئن إلى أن العطاء بابٌ إلى الجنة، لا إلى الفقر؟

وهل تسكن الله قلبك، أم شغلتك الدنيا عنه؟

الإيمان لا يُقاس بكثرة السجود، بل بمدى حضور الله في القلب، وثمرات ذلك في حياة الناس.

وما البذل إلا علامة يقين، كما أن البخل علامة غياب.

فاجعل قلبك موطنًا لله، لا مستودعًا للخوف.

وتذكر: ما نقص مالٌ من صدقة.

كاتب رأي، وموظف في القطاع المصرفي.