تحولات أنماط القراءة
كل شكل جديد من الكتابة كان يجر معه اعتراضاته الخاصة، فلنا أن نتخيل مثلًا أن قراء ألواح الطين قد اعترضوا على الشكل الجديد للكتابة آنذاك، ولربما قالوا حينها إن المخطوطات جعلت الكتابة سهلة للغاية؛ ما علينا إلا نلطخ بعض الكلمات على الجلود الجافة للحيوانات الميتة المقرفة وينتهي كل شيء! في حين أن نحت النصوص على الطين يُعد - على العكس من ذلك - عملًا حقيقيًّا؛ فهو يستدعي تخطيطًا جيدًا مع استخدام للعضلات.
هذا ما جاء في موقع جامعة إلّينوي https://illinois.edu/ في سيناريو متخيل عما كان يفكر فيه الناس في ذلك الوقت حينما تغير أسلوب الكتابة من ألواح الطين إلى المخطوطات، وتأثير ذلك على القراءة.
ويضيف السيناريو المفترض أنه وبعد مدة طويلة من اختفاء الكتابة على الطين ثم ظهور الكتب المجلدة، ربما حذر البعض من هذا النوع من الكتب، وبأنه مشتت للغاية؛ حيث تجبرك الكتب على التوقف عن القراءة في نهاية كل صفحة وقلب صفحة جديدة، وحينها تكون قد نسيت ما سبق أن قرأته. ويضيف السيناريو: وحدها المخطوطات بصفحاتها المخيطة من طرف إلى طرف توفر تجربة قراءة متواصلة! لكن من كان يقول ذلك تعوّد في النهاية على قراءة الكتب الطويلة. وبعد أن حلت المطابع محل الكتابة اليدوية احتج آخرون بالقول إن القلم وحده هو القادر على ربط الكاتب والصفحة والقارئ مباشرة، في حين تُعطل المطبعة تلك الدائرة الميتافيزيقية الحيوية. واليوم أيضًا يتخلص الكُتّاب بالتدريج من أقلامهم مع ظهور لوحات المفاتيح في الحواسيب.
ويبدو المقال، المنشور في يناير 2009، متفائلًا جدًّا بأن العالم لن يتخلى عن القراءة، وإن تخلى عن الكتاب الورقي الملموس فإنه سوف يتحول إلى أمور ووسائل أخرى توصل إلى نفس الهدف وهو القراءة. ومن مبررات هذه النظرة - كما ورد في المقال - أن هناك نسبة كبيرة من سكان الأرض ليس لديها حواسيب، بل إن نسبة كبيرة منهم ليس لديهم كهرباء حتى، وسوف يعتمدون على الكتاب الورقي الذي لا يحتاج إلى طاقة أو كهرباء لافتًا إلى أن: إمداداتنا النفطية سوف تنفد قبل أن تنفد كتبنا بوقت طويل!
أفكار مختلفة طرحها المقال رغم أنه كتب قبل أكثر من ستة عشر عامًا، ورغم حصول تغيرات كبيرة جدًّا في عالم الكتب والقراءة منذ ذلك الوقت، فإن هذه الأفكار إن دلت على شيء فهي تدل على مقاومة الإنسان للجديد حتى إن كان هذا الجديد لمصلحته، إما جهلًا بأنه لمصلحته، أو لأن لديه نوعًا من التمسك بالقديم والوفاء له، أو ما يسمى نوستالجيا «حنين للماضي»، أو التمسك به. لكن لا يبدو بأن هذا الحنين وحده كفيل بوقف عجلة التطور والتغير «في مجال القراءة والكتابة» الذي يُعد سمة ثابتة في سلوك البشر. فالوسائل والأساليب تتغير ويبقى جوهر الموضوع، وربما تبدلت اهتمامات البشر من أمر إلى آخر، أو مالت الكفة فيها من أمر لآخر. فالقراءة رغم أهميتها تخضع أيضًا لهذه المعادلة ولا يمكن استثناؤها رغم إمكانية إبطاء ذلك بجهود الكتاب والمفكرين حين يحاولون المحافظة على علاقة الإنسان بالقراءة وإن تغيرت أشكالها ووسائطها.