الإشارة البرتقالية

كان الليل يرخي عباءته الثقيلة على طرق المدينة، والمصابيح تلمع كالنجوم المعلقة في الأسفلت. جاسم يقود سيارته مسرعًا، كأنما يتسابق مع الريح. وفجأة… أضاءت أمامه الإشارة البرتقالية. لحظة خاطفة، لم يتردد، اندفع بعجلة، وما هي إلا ثوانٍ حتى انقلبت الإشارة إلى الحمراء.

صديقه حسن الذي كان إلى جواره لم يترك الصمت يخيّم:

— ”جاسم! ماذا فعلت؟! لقد تجاوزت الإشارة!“

ابتسم جاسم بخفة متصنعة:

— ”كانت برتقالية…“

لكن حسن هز رأسه قائلاً بجدية:

— ”برتقالية نعم، ولكن ما إن عبرنا حتى صارت حمراء. أتدري أن الغرامة قد تصل إلى ثلاثة آلاف ريال؟ هل تملك هذا المبلغ؟“

تسللت الكلمات إلى قلب جاسم كسهمٍ بارد. لم يكن يخاف الغرامة بقدر ما ارتجف من فكرة أن رعونة عابرة قد تجره إلى ما هو أدهى من المال… إلى حياةٍ قد تُزهق أو أمانةٍ تُهدر.

هاجس الرسالة

منذ تلك الليلة، صار هاتفه سجناً صغيرًا يترقب منه حكمًا. كل اهتزازٍ لإشعارٍ جديد كان كالصاعقة يطرق قلبه: ”هل هي رسالة المخالفة؟“

جلس مرات طويلة يحدق في شاشة هاتفه، كأنها مرآة تُعيد إليه صورته وهو يتجاوز الضوء البرتقالي، لحظة غفلة لا تُمحى. يومان مرا كأنهما عامان، والنوم غادر جفونه، والقلق يوشك أن يلتهمه.

المكالمة الفاصلة

في صباح اليوم الثالث، لم يطق الانتظار أكثر. رفع هاتفه واتصل بحسن:

— ”حسن… لم تصلني أي رسالة حتى الآن. هل يعني هذا أنني نجوت من الغرامة؟“

جاء صوت حسن من الطرف الآخر هادئًا كالمعلم:

— ”ربما نجوت يا جاسم، لكن اسمعني جيدًا… ليست كل مرة تسلم الجرة. الطريق أمانة في أعناقنا، والإشارة الحمراء لم توضع عبثًا. خلفها أرواح تنتظر المرور بسلام، وحياة قد تُزهق في لحظة تهور.“

الإشارة البرتقالية

أغلق جاسم الهاتف وقد انقشعت غمامة من صدره. وتذكّر المشهد: الإشارة البرتقالية تضيء، كأنها تقول: قف قليلاً… فقد اقتربت لحظة الحسم.

هناك فهم أن الإشارة البرتقالية ليست مجرد ضوء في الشارع، بل رمز في الحياة كلها. إنها صوت داخلي يذكّر الإنسان بالعودة قبل السقوط، بالتوبة قبل الغفلة، بالجد قبل اللهو.

ومنذ ذلك اليوم، صار جاسم كلما لمح البرتقالي، يسمعه يهمس في أعماقه:

”تهيأ… فالحمراء قادمة. عُد إلى الطريق الصحيح قبل أن يُغلق عليك الباب.“

5 دروس ملهمة

1. التوقف المؤقت لا يعني النهاية

كما أن الإشارة البرتقالية تدعوك للاستعداد للتوقف، فإن لحظات التوقف في الحياة ليست خسارة، بل هي فسحة للتأمل وإعادة التوازن قبل الانطلاق من جديد.

2. الفرصة الأخيرة قبل الخطأ

البرتقالي هو جرس إنذار يسبق الحمراء. في حياتنا، هناك إشارات صغيرة تنبّهنا قبل السقوط في الخطأ: كلمة ناصح، أو موقف عابر، أو ضمير يوقظ القلب. من استجاب لها نجا، ومن تجاهلها وقع.

3. قيمة اليقظة في لحظات الغفلة

الإشارة البرتقالية تذكّرنا أن الغفلة قد تكون ثوانٍ قليلة، لكنها كافية لتغيير المصير. كذلك في الحياة، لحظة وعي قد تنقذك من قرار خاطئ، أو صحبة سيئة، أو لهوٍ يضيع العمر.

4. الحكيم من يتأهب قبل فوات الأوان

الإشارة البرتقالية تقول لك: تهيأ… فالقادم حاسم. في حياتنا، الناجح هو من يستعد قبل الامتحان، ويتوب قبل الموت، ويعمل قبل الحساب.

5. كل برتقالي هو نعمة

لو لم يكن هناك إنذار يسبق الحمراء، لكان الناس يسقطون فجأة بلا تنبيه. وهكذا حياتنا… الله يرسل لنا دائمًا“برتقالية”تنبّهنا: مرض بسيط، أو موقف يهزنا، أو كلمة توقظنا، حتى لا نسقط في الحمراء الفاصلة.

أخصائي التغذية العلاجية