حين يرحل العطاء ولا يغيب الأثر

في وداع قامة إنسانية: الدكتور باقر العوامي في ذمة الله.

في حياة كل مجتمع، هناك قامات لا تُقاس قيمتها بالدرجات العلمية فقط، بل بمدى الأثر الذي تتركه في القلوب والنفوس.

الطبيب الذي يرى في مهنته رسالةً لا مجرد وظيفة، هو أحد هذه القامات. إنه ذلك الإنسان الذي يجمع بين العلم والإنسانية، ويحوّل علمه إلى بلسم شافٍ، ليس فقط للأجساد، بل وللأرواح أيضًا.

أحيانًا يرحل شخصٌ عن عالمنا، تاركًا خلفه فراغًا يصعب ملؤه، وحزنًا يمتزج بالامتنان لكل ما قدمه. هذا هو حالنا اليوم ونحن نودع طبيبًا لم يكن مجرد معالج لأجسادنا، بل كان بلسمًا لأرواحنا، ومرشدًا في دروب الألم.

فجعت القطيف أمس برحيل الدكتور باقر، الذي لم يكن مجرد طبيب يعالج الأجساد، بل كان بلسمًا يداوي الأرواح. في حياته، كان منارة علمٍ وعطاءٍ لا ينضب، وفي رحيله، ترك وراءه فراغًا عميقًا في القلوب، لكنه أيضًا ترك إرثًا حقيقيًا من الإنسانية والأخلاق المهنية التي لا تُنسى. هذه الكلمات في حقه ليست مجرد وداع، بل هي شهادة على مسيرة حياة كُرّست لخدمة المجتمع، وتذكير بأن بعض القامات لا يغيب أثرها مهما رحلت.

لم تكن مهنة الطب بالنسبة له مجرد وظيفة، بل رسالة إنسانية نبيلة. كان يرى في كل مريض قصة، وفي كل شكوى نداءً للمساعدة. كان يستقبل المرضى بابتسامة تزرع الأمل، وعينين تقرآن ما وراء الكلمات، ويدين تمسحان الألم وتخففان المعاناة. كان يمتلك حكمة الطبيب وخفة روح الإنسان، يجمع بين دقة التشخيص ودفء القلب. لم يكن يكتفي بوصف الدواء، بل كان يمنح النصيحة، ويرشد إلى الطريق الصحيح نحو الشفاء، ليس الجسدي فقط، بل النفسي أيضًا.

لقد ترك وراءه إرثًا حقيقيًا لا يُقدر بثمن: قصصًا من الشفاء، وذكريات من اللطف، ومبادئ راسخة في الإخلاص والتفاني. كل من عرفه سيشهد أنه كان طبيبًا بمعنى الكلمة، وإنسانًا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. رحيله خسارة كبيرة للمجتمع، ولكنه أيضًا تذكير لنا بأن الخير باقٍ، وأن الأثر الطيب لا يزول.

في وداعه اليوم، لا نودع فقط طبيبًا، بل نودع معلمًا وأبًا، ورجلاً حمل همّ مجتمعه على عاتقه. لقد ترك خلفه بصمات من النور لا يمكن محوها، وذكراه ستبقى حية في قلوب كل من عرفوه صغارا وكبارا، وفي قصص الشفاء التي تركها، وفي الأجيال التي علمها، وفي القدوة التي نركها.

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية