بيض...!
تحوي كل دول العالم ثروات طبيعية مختلفة ومتنوعة تعتبر مصادر دخل لتلك الدول تعزز اقتصادها وتحدد مكانتها عالمياً. تعتمد حالة الدول الاقتصادية على نوعية تلك الموارد الطبيعية ووفرتها والأهم من ذلك كيفية استغلالها لتلك الموارد واستثمارها بفعالية، وبإمكان بعض القرارات الاستثمارية أن ترفع دولاً وتطيح بدول أخرى. ومن هنا يتبين لنا أهمية اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة.
وكما هي الدول، يتأثر الإنسان أيضاً بقراراته الاستثمارية التي باستطاعتها أن تؤدي لنجاحه أو فشله وتركه ليعيش على هامش الحياة. تختلف قرارات الإنسان واختياراته الحياتية بحسب أفكاره وقناعاته الشخصية وتتشكل حياته بناء على تلك القرارت والاختيارات.
إن الاستثمار لا يكون في الأموال والممتلكات فقط. فهنالك استثمار الوقت والجهد، الاستثمار في الأصدقاء، العائلة والأبناء وحتى في النفس والصحة أيضاً. عندما نتحدث عن الاستثمار لابد لنا أن نتذكر النصيحة الاستثمارية القائلة «لا تضع كل البيض في سلة واحدة» كناية عن تجنب المخاطر وتعني عدم وضع كافة رأس المال في جهة استثمارية واحدة فيضيع كله إذا خسرت تلك الجهة.
بينما ينصحنا بعض أكبر أثرياء العالم بعكس ذلك حيث يرون أنه من الأفضل وضع البيض كله في سلة واحدة ومن ثم مراقبتها والاهتمام بها جيداً حتى يفقس البيض وينتج أزواجاً تنتج أزواجاً وهكذا حتى يتضاعف رأس المال.
إذا طبقنا نصيحة الأثرياء تلك، فإن أغلب الناس يشعرون بالراحة والاطمئنان أكثر لسلوك الطريق الآمن الذي يبدأ بالدراسة وسهر الليالي للتخرج بمعدل مرتفع ثم البحث عن وظيفة في شركة مميزة والتمسك بها مهما واجههم من ظلم وتسلط والاعتماد على الراتب الشهري الثابت حتى لو لم يكن كافياً لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرتهم. لا نستطيع اعتبار تفكيرهم خاطئاً لتفضيلهم الطريق السهل الواضح الرتيب الممل لكنهم بهذا التفكير قد وضعوا كل بيضهم في سلة واحدة وهجروا كل مزاياهم ومواهبهم التي وهبهم الله إياها ونذروا كل طاقتهم لسلة البيض تلك فقط.
فلنتخيل سقوط تلك السلة ليس لعدم اهتمام صاحبها بها، إنما لأن الحياة فيها من الغموض والمجهول والعجب ما يكفي لأن يهبط فيل طائر على سطح منزلك ويخترق السقف ليسقط على سلة بيضك الثمينة ويكسر كل البيض. ربما بالغت قليلاً لكن هذا لا يقلل من احتمالية حدوث ما لا نتوقعه. أقصد ربما يسقط نيزك بدل الفيل مثلاً! القصد هنا أن هنالك الكثير من الأقدار التي لا يعلم بها إلا الله سبحانه كأن لا تقبل في الجامعة حتى لو كنت من الأوائل على دفعتك بسبب قلة المقاعد الدراسية والتي حجز بعضها لأصحاب الوساطات.
وإذا قدر لك وواصلت الدراسة وتخرجت بمرتبة شرف فستحتاج لشق طريق شاق أيضاً للحصول على وظيفة بمواجهة بعض العنصريين أو بمزاحمة ذوي المعارف والوساطات مرة أخرى وتذكر فقط أن المنافسة ستكون شرسة جداً على فرص هي أصلاً قليلة. وإذا وُفقت بالحصول على وظيفة فاحمد الله ولا تتطلع لترقية أو تقييم جيد على المدى القريب مهما بذلت من جهود فلربما لم يستسغك مديرك فالأرواح جنود مجندة... وقد تناكرت أرواحكم مسبقاً!
بالرغم من ضرورة التركيز على الهدف لكن قلة قليلة هي التي وفقت لأن تفقس بيوضها في سلة واحدة. إذاً، هل نضع بيضنا كله في سلة واحدة أم نوزعه على مجموعة من السلال؟