هل نستطيع الهروب من تلك الشبكات؟
لا شك أن تأثير وخطورة مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تستأثر بنصيب الأسد في فضاء الإنترنت أمر يستحق الاهتمام والتأمل، فهذه التطبيقات والشبكات العنكبوتية تكاد تُسيّج كل المساحات والجهات التي تؤثر وتؤطر المجتمعات والشعوب. ما تُحدثه هذه الشبكات التسونامية، لم يكن يخطر على بال أكثر المتفائلين بتطور الحياة، فهي الآن تُسيطر تقريباً كل مفاصل وتفاصيل الحياة بكل أشكالها ومستوياتها.
والكتابة عن تأثيرات وتموجات الإنترنت، ممثلاً بمواقع التواصل الاجتماعي مثل إكس والفيس بوك وإنستغرام وسناب شات وغيرها من التطبيقات والوسائط، بحاجة لمساحات واسعة وفضاءات شاسعة. قبل هذا الغزو الكبير من هذه التطبيقات والبرامج، كانت المجتمعات بمختلف أشكالها ومستوياتها تتمتع بقدر لا بأس به من الاهتمام والحرص أثناء تعاطيها مع العلوم والمعارف والخبرات والتجارب والفنون والآداب والثقافات، وكانت تُقاوم كل مظاهر الكسل والتراخي التي تُصيب نخبها ومكوناتها. قبل ظهور هذه الشبكات المثيرة، كانت تُعاني كل المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة طبعاً، من تدني نسب القراءة والمطالعة والاهتمام والجدية في تناول العلوم والمعارف، فما هو الحال الآن وسط هذا الزحام الشديد من هذه الشبكات والتطبيقات؟
الآن، بل منذ عقدين تقريباً، لم يعد الكتاب أو التلفزيون أو الإذاعة أو المصادر الأخرى الرصينة، هي فقط التي تُرضي شغفنا وتروي ظمأنا ولكن هناك الكثير من اللاعبين والمؤثرين الذين يُنافسون بشراسة.
كل مجتمعات العالم تعيش تأثيرات وتداعيات هذه الشبكات والتطبيقات، الأمر الذي جعلها في سباق محموم وسط كل هذا الكم الهائل من الضخ والتأثير، وما جعلها تدور في فلك هذه الأدوات والشبكات التي لا مفر منها. لم نعد نملك القدرة الذهنية واللياقة المعرفية التي تُساعدنا على قراءة كتاب من 200 صفحة، بعد أن كنا نلتهم المجلدات والموسوعات، لم نعد نملك الصبر لمعرفة تفاصيل الأشياء التي تؤهلنا للحكم بعقلانية عليها، لم نعد نُمارس العمق الذي يُتيح لنا الفرصة لفرز واختيار الأفكار والقناعات التي نؤمن بها، كل ذلك وأكثر بسبب طغيان هذه الشبكات الاجتماعية التي أفقدتنا الكثير من التوازن والحكمة والوعي والهدوء.
نعم، مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي تأخذ النصيب الأكبر من الاهتمام والمتابعة من كل فئات ومكونات المجتمعات والشعوب، لا شك ولا جدال في ذلك، ولكن للفكر الرصين وللمعرفة العميقة عشاقها ومريدوها، وتلك هي طبيعة الحياة وتطور العالم.