تمارين في طريق لياقة القراءة
كما أن أمام الرياضي مشوارًا طويلًا حتى يصل إلى مرحلة اللياقة البدنية، فإن أمام القارئ أيضًا مشوارًا شبيهًا حتى يصل إلى لياقة القراءة، لكنه جميل هنا ولا يصاحبه إرهاق في الجسم أو تسارع في التنفس، أو زيادة في نبضات القلب، بل بالعكس قد يزيدُ ممارسَه هدوءًا وسكينة وربما انخفضت نبضات قلبه.
وكما أن الرياضي يتدرج في تمارينه البدنية فلا يرهق بدنه بتمارين عنيفة في البداية، فإن على المبتدئ في مشوار اللياقة القرائية أن يتدرج في ذلك؛ فيبدأ قراءة المواد القصيرة والسهلة والمحببة إلى نفسه، مستمرًّا في ذلك مدة من الزمن تطول أو تقصر، اعتمادًا على قدرات القارئ وخلفيته الثقافية. بعدها يمكن السير وفق نظرية الخطوة خطوة في تصاعد بطيء مع استمرارية وعمل دؤوب.
وينبغي أن يحرص القارئ في هذه المرحلة على أن يختار الموضوعات المحببة إلى نفسه ولا يلتفت كثيرًا إلى توصيات الآخرين حول الكتب المناسبة؛ فما يصلح لغيرك قد لا يناسبك، فاختر المجال الذي يعجبك، ثم الكتاب الذي يعجبك، بعدها إن اكتشفت أنه ليس الكتاب المطلوب فاتركه إلى غيره من الكتب.
وحينما تستمع إلى من يقول إنه أنهى عددًا كبيرًا من الكتب خلال شهر واحد فلا تحاول تقليده أبدًا مدفوعًا بتأنيب الضمير أو الشعور بالتقصير؛ لأنك أولًّا لا تعلم صدقه من كذبه، ثم لأنك لا تعلم كم استوعب بالفعل من هذه الكتب، وقبل ذلك كله لأنك لا تعلم إمكاناته ومستوى اللياقة القرائية لديه.
وحين يبدأ القارئ مشواره في طريق لياقة القراءة فليس من الضروري أن يشعر باكتسابه للعلم والمعرفة، بل يكفي أنه يقرأ وينمي لياقته القرائية التي ما إن يكتسبها حتى يمكنه أن ينتقي من الكتب والمواد القرائية ما يفيده ويزيد من حصيلته المعرفية.
وبعد مدة من القراءة المتواصلة قد يسأل المرء نفسه عما اكتسبه من القراءة، وهو سؤال قد يسمعه من بعض المثبطين الذي لا يعلمون بأن القراءة عمل تراكمي متواصل لا تظهر نتائجه سريعًا، كما أنها قد لا تظهر ظهورًا جليًّا أبدًا لكنها تظهر في سلوك القارئ، وتفكيره، ونهجه في الحياة، واختياراته المتنوعة كل يوم، مقارنة بغيره ممن لا يقرأ. وهنا ينبغي على ممارسي تمارين اللياقة القرائية مكافأة أنفسهم على ما يقومون به من أنشطة قرائية بأي نوع من المكافآت؛ المادية أو غير المادية، وهو ما يضمن أو يساعد على استدامة هذا العمل الجميل والبناء.
وأخيرًا؛ إن استطعت أن تكتب ملخصًا للكتاب فسوف يكون مفيدًا جدًّا لك؛ لأن ذلك قد يكون نواة لمشروع كتابي مستقبلي لك. وإن لم تستطع فلا تيأس، فليس بالضرورة أن يكون جميع القراء كُتابًا. لأن التشابه بين اللياقة البدنية والقرائية يمكن أن يشمل حتى هذه النقطة؛ فكما أن البعض قد يستمر في ممارسة الرياضة ردحًا من الزمن لكنه لا يصبح نجمًا رياضيًّا أبدًا، ولا يمكن تصنيفه على أنه لائق رياضيًّا مهما بذل من جهد، ولكن يكفيه ما تحصَّل عليه من وفور الصحة في البدن ونماء العقل نتيجة الرياضة؛ فكذلك الأمر بالنسبة لممارسة القراءة التي قد تتحول وقد لا تتحول إلى ممارسة الكتابة، فيكفيه منها ترقي عقله في مراقي العلم والفهم.