اِعْكِس الاتجاه ثَمَّة نُور
الوقت هو مقدار محدود من الزمن، وهو عمرُنا وكلُّنا، إن ضيعناه ضيعنا حياتنا، وإن استثمرناه بما يعود علينا بالنفع والخير فقد ظفرنا بالدارين.
التفريط في الوقت في حياتنا سلوك ألفناه وتعودناه لدرجة عُليا أفقدتنا معه فن إدارته والتعامل معه، واستغلاله بصورة أكثر جدوى وسلامة ودقة، وبات كل منا يتفنن لا في إدارته والاستفادة منه، بل في تبديده والتخلص من دقائقه وثوانيه، وكأنه شيء هامشي وغير ضروري وضيف ثقيل نتمنى أن يغادرنا فنرتاح منه، مع أنه حياتنا، وانقضاء جزء منه يعني انقضاء جزء من أعمارنا.
هذا الضيف الثقيل - عندنا - يحتاج إلى أن نعرف قيمته قبل فواته، ونستثمره قبل انصرامه، ونستغل دقائقه قبل ساعاته، وأن نعكس الاتجاه معه، فبدلًا من إضاعته فيما لا يكسبنا رصيدًا أخرويًّا أو أمرًا دنيويًّا، نقوم بالاستفادة منه في مجالات النور والسَّنا، فهنالك العبادات التي تقربنا إلى الله زلفى، وهنالك السلوكيات التي يظللها العطاء والصدقة والنصيحة وإصلاح ذات البين وما شاكلها من صفات نبيلة وشريفة.
هذا النور هو غذاء روحي يمدنا بطاقات نورانية تخترق عتمة الوقت الضائع وتبددها؛ ليحل محلها الشروق الذي تنبثق منه المحبة والتفاؤل والرضا؛ فنكون بذلك في خانة السعداء، وتنقضي أيامنا التي هي أعمارنا بصحبة ذلك النور الذي يمنحنا زادًا كبيرًا من الأعمال الصالحة التي نتقوى بها ونحن في طريقنا إلى الآخرة.
ينقضي ربيع عمرنا ثم يأتي خريفه حتى نصل إلى شيخوخته ونحن لم نتهيّأ للرحلة القادمة التي ستطول مدتها، والتي لم نتزود فيها بما يكفينا من الحسنات مع أنها وافرة ومتنوعة وبين أيدينا ما دمنا في هذه الدنيا الفانية الزائلة.
إنّ تسويفنا وتأخرنا لعكس الاتجاه سيجعلنا نتجاوز المنعطف، ونفوت الوقت، فنبقى خاليي الوفاض، لا شيء معنا نستعين به في يوم نكون فيه بأمسِّ الحاجة لذلك الزاد.
نقطة جوهرية في آخر محطة فكرية:
ثمة فرق كبير وبون شاسع بين قضاء الوقت واستثماره، وثمة نور رحيب ينتظرنا إن عرفنا كيف نغير عقلياتنا، لنعكس اتجاه الوقت نحونا؛ فَنَنْعَم ونسعد في حياتنا، ونغنم ونفوز في آخرتنا.
يقول مصطفى محمود:
”إن مشكلتك ليس سنواتك التي ضاعت، ولكن سنواتك القادمة التي ستضيع حتمًا إذا واجهت الدنيا بنفس العقلية“.