ادعوا يجيها النصيب !!
تتلوَّن الأمنيات في دواخلنا ، و تتشكَّل الرغبات ، كلٌ يرسم لوحة أمنياته حسب شخصيته و ميوله و تطلّعاته ، فتمتزج الألوان ، و تخرج إلينا لوحةً تنضح بالرغبات و الأمنيات ، فالطفل يتمنَّى و يُعبّر عما يصبو إليه بطريقته ، و الشاب يتمنَّى أيضاً و يسعى للوصول لما يتمناه ، و كذلك الشابة التي غالباً ما تُفضي إلى أمنياتها و رغباتها بصعوبةٍ بالغةٍ في مجتمعنا ، و إذا ما تناولنا رغبات الوالدين التي ستكون مضاعفة حتماً إذا ما قسنا على أمنياتهما الشخصية مضافاً إليها أمنياتهما لأولادهما و بناتهما ، سنجد على قمة هرمها مشروع الزواج للأبناء ، فالأب يتمنى أن يزوّج أبناءه و بناته ، و الأم لا يخلو أيّ فرضٍ من دعائها بإتمام النصيب لأبنائها و بناتها أيضاً .
و تَوَشُّح الوالدين بهذه الأمنية تحديداً عاملٌ مشتركٌ بين كل الآباء و الأمهات ، و لكن بودي أن أبعث بسؤالٍ لكل أبٍ و أمٍ : عندما تتمنون الزواج لبناتكم ، هل طرحتم على أنفسكم سؤالاً يتيماً و هو : هل ابنتنا مهيأة بأن تكون زوجة ؟!.. هل ابنتنا تنفع أن تكون أماً.. ؟! هل ابنتنا صالحة لأن تدير أسرةً و تقود جيلاً ؟!.. هل ابنتنا لديها ثقافة التعامل مع الزوج و ثقافة الاقتراب منه و تقليص أيّ مسافةٍ على اعتبار وجود المسافات المؤكدة عطفاً على العادات و التقاليد التي نقبع خلف أسوارها .
و أعود كي أطرح ذات الأسئلة على الفتاة ، أي صاحبة الشأن ، و أضيف عليها : هل فكّرتِ في قراءة كتابٍ واحدٍ عن الحياة الزوجية و أسرارها قبل الخوض في غمارها ، أو كتاب عن التربية أو كتاب عن نفسية الطفل ؟!.. هل عاهدتِ نفسك بأن تدخلي رحلة التنقيب عما يرضي زوجك و يُدخل البهجة و السرور إلى نفسه ؟!
تُرى ما مفهوم الزواج عند فئةٍ لا بأس بها من الفتيات ؟!
دبلةٌ في إصبع اليد ، تتباهى بها فترةً من الوقت بين قريناتها في المدرسة أو الكلية ، و تشعر بارتدائها أنها نالت الأفضلية لأن هناك شابَّاً قد اختارها و تقدّم لها دوناً عن الكثير من الفتيات ، و يصبح هذا الأمر مدعاةً للتعالي و التفاخر ، و يسبب جرحاً في نفوس الفتيات اللاتي لم يأتيهن النصيب بَعد ، و بعد فترة الخطوبة ، تأتي المرحلة الأهم في نظرها ، ألا و هي ليلة الزفاف التي تنتظرها هذه الفتاة بفارغ الصبر ، و المترتّب عليها اختيار قاعة الزفاف و الكوشة و الفرقة و القائمة تطول مع مظاهر البذخ . أيضاً من المفاهيم المُعشِّشة في عقول بعض الفتيات عن الزواج أنه عالم مليء بالسفر و التنزُّه ، و احتمال وجود الخادمة كبير حتى تقتنع أنها دلّوعة زوجها و حتى يكتمل عقد الرفاهية و السفر .
و مرّت فترة الخطوبة ، و انتهت ليلة الزفاف ، و أكل المعازيم الكعكة ، و تم تفكيك الكوشة ، و غسلت العروس ماكياجها ، و بعد بضعة أيام تم نسيان كل ما تم في تلك الليلة ، و الآن أيتها الفتاة ، هل أعددتِ العدّة و العتاد لباقي العمر ، أم عُدَّتك و عتادك كانت لأجل ليلةٍ واحدةٍ يرينك فيها صديقاتك بفستان الزفاف الأبيض و أنتِ تعتلين عرشك و بعد ذلك ستنقضي هذه الليلة بكل ما فيها و تقعين في المأزق الكبير !!
بتحليلٍ بسيط في حالة مَنْ ينتابها الشعور بالأفضلية لمجرد اختيارها لتكون زوجةً لأحد الشباب ، و ارتدائها عباءة الكبر و الخُيلاء لكونها ستصبح زوجة و قريناتها عوانس ، ربما نبارك لها في يومٍ من الأيام بزواجها ، لكن هل نضمن استمرارية هذا الزواج ؟!.. فكل شيء بأمر الله ، فلربما تطلقَّت لأيّ سبب ، أو ترمَّلت لا سمح الله ، ففي هذه الحالة لو وضعنا المُطلقة أو الأرملة في الكفة الأولى من ميزان المفاضلة ، و وضعنا العانس في الكفة الأخرى ترى مَنْ سترجح كفتها و لِمَنْ ستكون الأفضلية و الغَلَبَة ؟..
الزواج مشروعٌ ضخمٌ لا يدرك حجمه الكثير من الآباء و الأمهات ذوو الخبرة و التجربة الطويلة ، فكيف نلقي بالجُناح على فتاةٍ صغيرة تفتقر للخبرة و التجربة ، فلا زالت الفتاة و المرأة بشكلٍ عام في مجتمعاتنا تنقصها الخبرة و التجربة الطويلة قياساً على المرأة في الدول المجاورة و التي أخذت فيها المرأة مساحةً أكبر أكسبتها خبرةً و درايةً عادت على شخصيتها و ثقتها في نفسها ؟!.. و هذه من أسباب تكدّس ملفات قضايا الطلاق على أرفف المحاكم.
أتمنى أن تتغير نظرة مجتمعنا عن الزواج و ألا تنحصر النظرة له في زوايا تكميلية زائفة و زائلة و نسيان الزوايا الأساسية التي ستسير بالمركب طيلة العمر، فبالنظر لإحصائيات الطلاق قبل عدة سنوات و مقارنتها بمثيلاتها في السنوات الأخيرة سوف نرى أرقاماً مخيفة تهدّد مجتمعنا و تهدد مستقبل أطفالنا .