بين دور الكومبارس والبطولة تحدد المساحة الشخصية والاجتماعية للفرد
مفهوم الكومبارس يرجع أصله إلى كلمة إيطاليا، وهو مصطلح غالبًا ما يستخدم في عالم الفن كالأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والأعمال المسرحية، ويتلخص دور الكومبارس في العمل الفني في قيامه بأداء أدوار ومشاهد تمثيلية قصيرة قد لا تتجاوز الدقائق.
ومن يقومون بأداء أدوار ومشاهد الكومبارس في العمل الفني الدرامي أو السينمائي هم أشخاص غالبًا ما يكونون أناسًا عاديين وتعدُّ أدوارهم ثانوية أو هامشية.
وعُرف دور الكومبارس في المشاهد أو اللقطات التي يقوم بأدائها أثناء العمل الفني ليست قابلة للمناقشة أو الاحتجاج عليها من هؤلاء الشخصيات لا في جانب السيناريو ولا في طبيعة المشهد المختار لهم، فهم فقط يقومون بتنفيذ الدور المناط بهم من دون مناقشة، ومجموعة الكومبارس يعتبرون أقل حظًّا في الأجر بين طاقم الفريق الفني، وقد يكون هذا واحدًا من الأسباب الرئيسة لتهميش آرائهم فضلًا عن كون دورهم يعتبر في الأساس هامشيًّا وليس بتلك الأهمية قياسًا بدور أصحاب أدوار البطولة.
إن ظهور مشاهد الكومبارس على الشاشة عابرٌ وغير مؤثر مقارنة بأدوار بقية الفريق الذين يؤدون أدوارًا رئيسة ومؤثرة وفاعلة ومهمة، إذ يشكل أدوارهم عصب العمل، وقد يكون دور الكومبارس عبارة عن تلميع لدور النجم أو الشخصية التي تقوم بدور البطولة، وأدوار الكومبارس لا تحتاج إلى اكتساب كثير من المهارات أو الدراسات أو الخبرات الواسعة لإيجاد بهذه الأدوار السينمائية أو التلفزيونية أو المسرحية، وعلى العكس تمامًا من يقوم به دور البطولة، إذ ينبغي لصاحب هذه الشخصية الذي يرشح لدور البطولة أن يكون متمكنًا من دوره، حيث يجب أن يكون لديه مؤهل أكاديمي، أي خريج معهد فنون وصاحب خبرة واسعة ومتدرب على أداء الأدوار بطريقة احترافية، أضف إلى ذلك هو يحمل ثقافة واسعة ومستوعب دوره ورسالته الفنية التي تحاكي المجتمع بمختلف شرائحه ومستوياته التي يبثها عبر أعماله السينمائية أو التلفزيونية، وعلى ضوئه يؤخذ برأيه في طبيعة المشهد والنص والحوار والسيناريو وفي بعض الأحيان حتى في الإخراج؛ لهذا تكون أدواره في غاية الأهمية ورئيسة، بل وذات مسؤولية يتحملها ويُحاسب عليها.
كما أن أدوار البطولة هي من يسلط عليها الأضواء وتدور حولها أحداث الرواية، بل كل الأحداث من أول الفلم حتى إطلاق آخر مشهد في العمل الروائي أو الفني وفي إبراز قوة وفاعلية دور شخصية البطل.
وهنا نأتي بعد هذا الإسهاب ونسقط مفهوم ”الكومبارس“ على واقع حياتنا ونسأل: ما هو شكل أدوارنا في الحياة على الصعيد الشخصي أو الأسري أو الاجتماعي؟ وهل هي شبيه بأدوار الكومبارس أم شبيهة بأدوار البطولة؟ ولماذا هذه الإسقاطات على واقعنا؟
قبل البحث أو الإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى أن مشاهد الحياة الواقعية سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل هي لا تبعد كثيرًا عن مشاهدتها في الأعمال الفنية التلفزيونية أو السينمائية أو المسرحية، كما قال الفنان المصري الكبير يوسف وهبي: ”وما الدنيا إلا مسرح كبير“، بل إن كل الأعمال الفنية ولدت من واقع الحياة من إيقاعاتها وأحداثها وتجاربها المختلفة، إذا استثنينا واستبعدنا منها الأعمال الفنية التي تتصف بالخيال الواسع، أو الخيالية التي تخبر أو تتنبأ عن المستقبل القريب أو البعيد.. تخبرنا عن الحياة المستقبلية المتوقعة التي تواجهها الأجيال القادمة، بحيث تكون مشاهده الخيالية تشبه الواقع المستقبلي، أو ربما تطابق جزءًا أو نسبة معينة من تلك المشاهدة التي يعبر عنها بالخيالية.
ولهذا لابد أن يكون الإنسان واعيًّا ومستعدًا للمستقبل وللتغييرات في الحياة باعتبار أن الحياة في طور التغيير والتطوير، وهي تطوير مرحلة تلو الأخرى، وعلى هذا الأساس تميز الإنسان عن بقية المخلوقات بأنه يحمل في جوف رأسه شيئًا اسمه ”العقل“ والتغيير والتطوير الذي لا يتركه عن التوقف والتفكير والتأمل في مخلوقات الله لاكتشاف المزيد من أسرار الكون الذي يعيش فيه.
بعد هذا الإيضاح المختصر؛ ينبغي أن نفهم ونكتشف أهمية وجودنا وطبيعة أدوارنا الحياتية سواء كانت في داخل الأسرة أو المجتمع، بل وينبغي أن نكتشف ونفهم ماهية أدوارنا على كل صعيد، وهل هي تشبه أدوار الكومبارس، بمعنى إنها أداور ثانوية وهامشية ولا تحتاج إلى تعب أو تكلف، فيوصف أصحابها بأنهم أشخاص عاديون وغير مؤثرين وغير قادرين على تحمل المسؤولية، وقد يتسمون بروح الأنانية واللامبالاة بما يدور ويحدث حولهم، أي أناس متبلدون في التفكير والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، وهذه الأدوار هي من تقلص أدوار أصحابها وتجعلهم مهمشين وبلا قيمة إنسانيًّا واجتماعيًّا.
أما إذا كانت اختياراتنا هي أدوار البطولة ولامعة، بحيث تأخذ على عاتقها تحمل المسؤولية بكل أبعادها بوعي وإدراك وتعب نفسي وجسدي ومادي وفكري ودعم غير محدود دون كلل أو ملل. هذه الشريحة الاجتماعية الرائعة والمدركة هي من يُعتمد عليها في كل أبعاد الحياة الحاضرة والمستقبلية، وهي من تصنع الرأي السديد والفكر الحي والعمل النافع الذي يخدم فيه القريب والبعيد والحاضر والمستقبل، وهذا الدور هو من يضع لهذه الشريحة مكانة متميزة ويجعلها في موقع التأثير ويملكها مساحة واسعة وكبيرة في الأسرة والمجتمع.
فمكانة الفرد إذن تحدد عبر طبيعة دوره الإنساني والاجتماعي الذي اختاره لنفسه طوال مسيرته الحياتية، فإن كان اختار دور الكومبارس فسوف يكون وضعه الشخصي والاجتماعي وعلى كل صعيد دورًا ثانويًا وهامشيًا وغير مؤثر، ومساحته الاجتماعية ضيقة جدًّا، بل قد يكون وجوده كعدمه كما يقال في الأمثال، وهذه الشريحة الاجتماعية هي من يطلق عليها أحياء جسديًا، ولكنهم في الحقيقة أموات حياتيًّا، حتى لو كانوا يمتلكون مناجم وكنوز من الذهب والفضة، فهم في الحقيقية أموات الإنسانية والحياة، فمثل هؤلاء تكون حياتهم وأوضاعهم الاجتماعية باهتة ومهمشة ومساحتهم الشخصية قد لا تعدو الخطوة التي يخطوها من مساحة هذا الكوكب الأرضي الكبير الواسع.
وأما من اختاروا أدوار البطولة فهم الذين عرفوا ذاتهم واكتشفوا حقيقة أنفسهم وقيمتهم الإنسانية والحياتية، وهذه الشريحة الاجتماعية هي من تشكل مساحتهم ومكانتهم الاجتماعية وعلى كل صعيد المركز الحساس في قلب الأسرة والمجتمع، بل الفلك الذي يدور حوله وعليه، بسبب إيقاعاتهم الحياتية المؤثرة وشخصياتهم الفارضة نفسها على كل بعد وعلى كل شخص.
إذًا، حجم أدوارنا في الحياة هي من تحدد قيمتنا الإنسانية ومدى مساحة علاقاتنا الاجتماعية ومدى أثر قوة إيقاع شخصيتنا على المستوى الأسرى والاجتماعي.
ومن هنا علينا أن نختار لأنفسنا ما يُكرمها ويُوقرها ويَرفع من شأنها في تنافسنا لأخذ أدوار البطولة، ونبعد كل البعد عن أدوار الكومبارس في كل جوانب حياتنا؛ لأن مثل هذه الأدوار هي من تهوي بنا اجتماعيًّا وإنسانيًّا، وأن يكون تفكيرنا الدائم والجاد نحو الطموح لأخذ أدوار البطولة؛ لأنها هي الأنجع لضمان حياة سعيدة وامتلاك شخصية راقية ومؤثرة وذات مساحة اجتماعية واسعة، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في هذا الجانب التي يلامسنا في كل جانب حين قال تعالى: ”وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ“.