الشعائر الحسينية نقداً ومعالجة

ونحن نعيش موسم الحزن، يتجدد استذكار النهضة الحسينية التي لم تُنسَ ذكراها على مر السنين، ولعل في استذكار هذه النهضة مسؤولية تقع على عواتق رواد المنبر الحسيني من اجل استمرارها وترسيخ اثارها وابعادها في النفوس والقلوب

ولابد للقارئ او الخطيب، ان يكون مواكبا لثقافة زمانه.

إن الهدف الأسمى من عاشوراء ومن شهادة الحسين هو الارتقاء بالمؤمنين إلى حال من العرفان والسمو المعنوي والروحي والقرب القريب من الله عزوجل في كل جوانب العلاقة به

إن شهر المحرم يمثل محطة وموسماً من مواسم التغيير الروحي والنفسي، يرتقي فيه المؤمن إلى حال من القدسية والطهر بتلك الممارسات الروحية المتمثلة في العبادات المتنوعة

أما الجانب الآخر وهو الجانب المتغير الذي يمكن لنا أن نتصور فيه التغيير، ونتصور فيه من ثم التطوير والإبداع فهو الجانب المتمثل في الوسائل التي يمكن من خلالها التعبير عن الأهداف التي حملتها رسالة عاشوراء، فلا بد لنا من استقراء الوسائل المختلفة التي نقوم بالتعبير من خلالها عن الأهداف الحسينية، ونلاحظ ما يمكننا أن نقوم بالتطوير في الموجود منها، والإبداع فيما ليس بموجود منها.

الوسيلة الأولى هي المنبر الحسيني وهو لا شك يعتمد في جانب كبير منه وخصوصا في الموسم العاشورائي على الناحية المأسوية، وهذه لا بد من تكريسها والحفاظ عليها جدا، لما لها من الأثر الكبير في الربط الولائي بين الجماهير وبين الحسين ومبادئه، ولما تمثله من امتثال واقتداء بالنبي والأئمة الكرام من أهل بيته .

وفي الوقت نفسه فإن المنبر يمثل آلية وأداة من الأدوات التي يمكن من خلالها بث الفكر والمعرفة الدينين اللذين لا بد أن يمثلا أولويات في الطرح المنبري، وهنا يمكن لنا أن نركز على قضية التغيير والتطوير والإبداع.

الخطيب يواجه اليوم جمهوراً جديداً، مختلفاً عن جمهور التسعينات أو السبعينات، سواءً من حيث الوعي والمستوى التعليمي، أو الذكاء والتطلعات. وحتى جيل الخمسينات والستينات، لم يكن يسلم بكل ما يسمعه من الخطباء، ويروي لنا الآباء كيف كان بعض المستمعين يردون على الخطيب مباشرةً، أو يعلّقون لاحقاً على أية قصة مختلقة، أو رواية غير موثقة، تحتوي على مبالغات أو تضخيم.

نحن الآن في القرن الحادي والعشرون، وجيل اليوم مختلفٌ تماماً عن جيل الامس، ومن الصعب أن نضعهم في القوالب التي شكلت تفكيرنا وحياتنا وثقافتنا ووعينا.

هذا الجيل لن يحرص على الحضور أمام المنبر إذا لم يوفّر له المنبر زاداً روحياً وأخلاقياً، وثقافياً ومعرفياً، يتماشى مع هذا العصر الذي تتفجر فيه المعلومات المختلفة، وهذا هو أحد أسباب الشكوى من قلة حضور الشباب للمأتم وعزوفهم عنها.

فيجب ان ندرك ان هذا الجيل تتجاذبه مدرستان خطابيتان، مدرسةٌ تأخذه نحو التركيز على النياحة والبكاء المجرد والإغراق في التفاصيل بما فيها من روايات وحكايات، ومبالغة وتهويلات. وهو طرح لم يعد يتناسب مع هذا الزمان. وهناك مدرسة الوعي والفكرة، التي توازن بين العِبرة والعَبْرة، وقد تراجعت مع غياب عميدها الشيخ أحمد الوائلي، الذي ترك فراغاً ضخماً لم يسده أحدٌ بعده.

يقول الشيخ الوائلي رحمه الله: في كتابه «تجاربي مع المنبر الحسيني» أنه قد قال له أحد أصحاب المكتبات: أن عنده أجزاءً من التفسير الكبير للفخر الرازي لكنه ليس كاملاً، ولما قرأ الشيخ الوائلي الكتاب، وجد فيه أبعاداً غريبة ورائعة في تفسير كل آية؛ حيث تفسر إلى عدة آراء وأبعاد، مما جعل الكتاب يجذبه بشدة،

يقول الشيخ: لم أترك هذا الكتاب إلا عندما أنهيته، ومنذ ذلك الوقت تغير أسلوب الشيخ الوائلي كثيراً، وصار عنده توجه آخر حيث أخذ يعتمد على هذا التفسير وبشكل بارز ومتطور.

المنبر هو القلب الذي يضخ العلم والثقافة وحبّ أهل البيت في جسد المؤمنين ويُساهم في رفع مستوى المجتمع الديني والثقافي، لقد كان الشيخ الوائلي «رحمه الله» عميداً للمنبر الحسينيّ حيث قام بنقل الخطابة على المنبر من الطريقة القديمة الى الطريقة الحديثة، فقد كان خطيباً ذكيّاً حاذقاً جمع بين العلوم الأكاديميّة والعلوم الحوزويّة التي ساهمت بشكل كبير في إثراء هذا المنبر ولن أقول واجتراء على احد فساحتنا مليئة بالخطباء المميزين.

. إن ما يجب ان يميز محاضرة وموضوع المنبر الحسيني أن على الخطيب أن يأتي بشواهد من الأدب أو التاريخ أو العلم أو الحديث على القول الأول، وشواهد أخرى على القول الثاني وشواهد ثالثة على القول الثالث، وهكذا وذلك حينما يذكر الآراء المختلفة في تفسير آية ما. حتى يكتمل المجلس ويشبع الموضوع.

مثلاً، عندما يتحدّث الخطيب عن العلم، فإن عليه أن يأتي بأحاديث حول العلم وبقصص وشعر حول العلم، وقد يأتي بها من عدّة مصادر، لكي لا يكون هناك ملل أو سأم يبعد جمهور المستمعين عن الخطيب ومحاضرته، وحتى يتماسك الموضوع، ويخرج المستمع بوضوح في الرؤية. بل ولكي يبقى روّاد المجالس الحسينية مستذكرين للمطالب الأساسية في الموضوع، عبر تذكرهم القصص والشواهد التاريخية والأدبية الصحيحة. ولهذا كان لا بد من الاهتمام بالمصادر التي توفّر هذه الشواهد.

إن أفضل ما يمكن للخطيب أن ينطلق منه القرآن الكريم؛ الذي عالج كل ما يحتاجه الإنسان، حيث أكد على الأخلاق والآداب وقصص الأنبياء ومختلف شؤون الحياة،

فربما يكون من جوانب الإبداع والتطوير في قضية المنبر تحويل المحاضرة المنبرية إلى محاورة بين الخطيب وبين الجمهور الذي يمثل المتلقي دائما، فيتم تحويله من موقع المتلقي إلى موقع المشارك، وهو أمر من شأنه حفز المستمع على أن يكون مساهما مساهمة فاعلة في البحث وخصوصا مع التعرف المسبق على المحاورة التي يريد الخطيب أن يطرحها.

إن هذه المرحلة تفرض على الخطيب في الكثير من الأحيان أن يساير ما هو موجود على مستوى الاستفادة من الوسائل التعليمية الحديثة التي تقرب المفردة المعرفية إلى الذهن، وذلك من خلال توفير وسائل العرض في الحسينيات من أجل توفير الجهد على المستمع في فهم المفردة المعرفية التي يريد الخطيب أن يطرحها للحضور، والتي ربما تتجسد في الاعتماد على ثقافة الصورة المعبرة عن الكلمة.

ومن أجل أن يبقى المنبر هو الوسيلة الأكثر تأثيرا وحضورا وفاعلية في الواقع الاجتماعي والجماهيري، فمن المهم جدا أن تصاغ استبيانات متعددة للتعرف على نقاط القوة والضعف في الجوانب المختلفة لما يمكن أن يقدمه المنبر الحسيني في المجالات المعرفية المختلفة وهو ما قد يفرض استحداث مؤسسات تخصصية لرعاية المنبر الحسيني في آفاقه وأبعاده المتعددة وهذا متمثل في رابطة المنبر الحسيني التي تريد ان تجمع كافة النخب المختلفة تحت مظلة واحدة.

وهذا ما دعت اليه رابطة المنبر الحسيني بالقطيف والدمام وما زالت من خلال اجتماع سنوي قبل موسم عاشوراء يتمثل في ملتقى الجمهور والذي يجمع بين الخطيب والجمهور وجها لوجه «سمي ملتقى الخطباء والجمهور».

هدف الرابطة من إقامة هذا الملتقى خلق انسجام وتناغم بين الخطيب والجمهور الحسيني وهو عبارة عن لقاء علمائي أكاديمي يلتقي فيه جميع النخب الدينية والثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية تحت مظلة واحدة. تطرح من خلاله الامراض والقضايا المتفشية في المجتمع وهي كثيرة وذات أهمية كبرى والتي يجب ان يعالجها المنبر بشكل موحد في جميع المجالس لحسينية المنتشرة في المنطقة.

إن ملتقى يحمل عنوان ملتقى الجمهور والخطباء والذي تقيمه الرابطة سنوياً هو ان المنبر الحسيني ليس ملتقى استهلاكياً وترفياً، إنه ملتقى يجب أن يكون فاعلاً وإلاّ فإنه مضيعة للوقت والجهد والمال، فبمقدار ما ينتج ويصحح تكون قيمة هذا الملتقى لاشيئ وتتمركز مسئوليات المنبر الحسيني في خمس مسئوليات، وتتمركز تحديات المنبر الحسيني في خمسة تحديات، والتمركّز لا يعني الحصر والتحديد.

فالمسئوليات المركزية هي: المسئولية العاطفية الوجدانية وهي المسئولية التي تتناول الجانب المأسوي لعاشوراء، وإن كنّا نركز على استخدام الوسائل الصحيحة للجانب المأسوي وإبعاد كل الأساليب الدخيلة على هذا الجانب. أما المسئولية الثانية فهي الفكرية والثقافية، والثالثة هي المسئولية الروحية والأخلاقية، والرابعة هي المسئولية الاجتماعية والاقتصادية.

لذى أقول ن اكبر مهمة للخطابة الحسينية والخطيب الحسيني الناجح، ابراز هوية النهضة الحسينية، وماذا كان يريد الامام الحسين في خروجه الى كربلاء؟

وما الذي توخاه على الصعيد الثقافي والعقائدي والاجتماعي، وهذا الامر يدعونا الى التعرف على اهم منطلقات الخطابة الحسينية، والتي يجب أن تكون صورة طبق الأصل من نهج أهل البيت ومبادئهم، وينبغي للخطيب الحسيني تبيانها للجمهور بشكل صحيح من دون الوقوع في فخ التحليلات الاهوائية والعصيبة التي ابتليت بها الامة من خلال قراءتها الخاطئة لهذه النهضة المباركة.

شبابنا اليوم وأركز على هذه الفئة بحاجة أكثر من أي يوم مضى الى ثقافة الأمل والثقة بالنفس وروح التحدي والإيمان الراسخ ومواجهة من يحاولون نشر ثقافة الهزيمة والتردد والشك عبر طرح الوساوس الشيطانية وبعض الافكار والشعارات السلبية والتشكيك بالشعائر وبالتاريخ والاصول، فيقوم ببث هذه الشكوك والوساوس التي لديه على عموم الناس دون تمحيص ودراسة وبحث علمي رصين يعتد به.

لأمام الحسين، ، اختاره الله من يوم خلق ليكون مصباح هدى وسفينة نجاة، وانت ايها الخطيب الحسيني يجب أن تحمل هذا المصباح الى الناس والعالم، وعلى الهيئات الحسينية المتمثلة في المجالس والمأتم ان تتحول الى تلك السفينة التي تحمل الناس الى بر النجاة بنشر قيم ورسالة عاشوراء وتكريسها في المجتمع.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين

وعظم الله اجوركم بذكرى استشهاد قبلة الاحرار الامام الحسين

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية