للحاسدين: تداووا بالحب

الحسد هو شكل من أشكال الكراهية والعدوانية المقيتة. فالحاسد يكره الخير للمحسود، ويسعى بكل ما يمكنه لزوال الخير عن محسوده، فإذا حدث ذلك، لا سمح الله، ارتاح الشر في داخله وتنفس الصعداء تشفيا وشماتة.

ولأنه كذلك، فإن علاجه يكون بضده، وهو الحب، وليس بالداء نفسه، كما يحلو للبعض أن يردد: وداوِني بالتي كانت هي الداءُ. أما كيف يكون الحب علاجا، فهذا ما نسرده في النقاط التالية:

1 - أن يتوجه الحاسد لممارسة حب الله حبا حقيقيا، من خلال حسن الظن به تعالى، فيرضى بقسمته وقضائه، ولا يعترض على حكمته. فيؤمن بأن الله «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً». إذ إن الحسد يكشف بشكل أو بآخر عن حالة من السخط وعدم الرضى بما يؤتيه الله من يشاء من عباده.

إن الآيات الشريفة التي تركز على توجيه الإنسان نحو السلوك السوي في هذا الإطار كثيرة، نختار مها قوله تعالى: «وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ».

2 - أن يحب الحاسد نفسه حبا حقيقيا. وهذا لا يكون إلا بمعرفة ما يصلحها وما يفسدها. أما إذا لم يكتشف ذلك، فقد يقع في مقت نفسه من غير أن يشعر، بسبب اختياراته الخاطئة التي تُرديه وتوقعه في المهالك: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ». فالحسد لا يقتصر شره على المحسود، بل يبدأ بالحاسد نفسه، كما ورد في الرواية: « لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله» و«الحسود كثير الحسرات متضاعف السيئات» و«إن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب» و«من ولع بالحسد ولع به الشؤم» و« ثمرة الحسد شقاء الدنيا والآخرة».

3 - أن يقاوم الحاسد حسده، وذلك بأن يحب لغيره ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها. وتلك قاعدة ذهبية ينبغي أن تكون حاضرة في سلوكنا الاجتماعي دائما. وهذا أمر ليس باليسير، لكنه يحتاج إلى تدريب وترويض وتعويد للنفس على حب الخير للغير. لقد أثنى القرآن الكريم بالغ الثناء على الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين أحسن استقبال، وأحبوهم، ولم يتضايقوا من قدومهم إليهم ومزاحمتهم لهم في موارد العيش المتاحة. بل لم تكن في نفوسهم أدنى رغبة أو ميل تجاه ما أُعطي المهاجرون، وفوق ذلك تحلّوا بخصلة الإيثار وتجاوز الذات. يقول تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».

إن التأمل في ذيل هذه الآية حقيق بحث الإنسان على ممارسة الحب في أصعب حالاته وفي أعلى درجاته، لأنه طريق الفلاح والانضمام لنادي المفلحين. وبالحب يتخلص من الحسد، ويكسب محبة الآخرين، فقد ورد في الرواية: «من ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس».

شاعر وأديب