رفقاً بنا يا عمي رسول

ما أقرب اليوم من البارحة، فما زلت أتذكره جيداً على دراجته الهندية الصنع «الصتي ٦»، وهو يجوب طريقه للعمل بورشة الحدادة والألومنيوم من الفريج الشمالي إلى مقر جده واجتهاده هناك.

نعم، عاش يتيماً من بعد والده الحاج موسى بن محمد بن أحمد بن علي القرين، وتجلبب برداء والدته شريدة بنت علي المعيوف «رحمها الله»، ورعاية إخوته «أحمد، وموسى، وعلي، وحبيب، وعبد الله، وخاتون، وزينب»، «فرحم الله الحاضر منهم والراحل كذلك يا رب العالمين».

فقد نقلت لي جدتي وأمه، وكذلك أبي ابن والدته: «كان يحفظ الزيارة كاملة مذ أن كان عمره تسع سنوات بشكلٍ ملحنٍ كما هو معتاد على صغر سنه، حيث كان يردد مع المزور ويتم كلامه بالسبق».

وما أن تصدرت حملة عضيده حبيب «رحمه الله» بين الحملات للحج والعمرة إلا وكان على القائمة بالمرافقة والتعليم من بدايات ١٤٠٠هـ

ولم أبرح أستحضر الذاكرة وكأنها بالأمس القريب في طريقنا للمدينة المنورة ما بين رياض الخبراء، والحناكية بالأعياد، وكذلك موسم الحج على وجه التحديد بالباص الأصفر، والمرسيدس «اللوري»، وطبخ الربيان المجفف بالدرب!

إذ كانت البسمة ترتسم على مُحياه، والحجاج يتوافدون عليه بالمساعدة كدليلٍ مبادرٍ، وكذلك اتباع خطواته للذهاب للحرم، والبقيع الغرقد، وأحد، ومسجد القبلتين، وكذا مسجد قباء، والمساجد السبعة وبني النجار..

الغريب في هذا الرجل أنه يستمتع بذلك التعب بشكل عجيب وملفت، والذي شكل فوق أنامله الخير الوفير، والدعاء المستنير من تعليم الفاتحة وسورة التًوحيد للزوار إلى ثغر الماء القراح للوضوء وأمور الصلاة ونحوها.

ناهيك عن مسجد الشجرة ورداء الإحرام، والمسافات الشاقة والوعرة، بين الأماكن المقدسة في منى، وعرفات، ومزدلفة، وداخل أروقة الحرم.

فرحم الله أيادٍ حملت ماء زمزم إلى ذاك الكفيف، ورحم الله ذاك القلب الحاني الذي حينما رأى ذاك الرجل الكبير بسنه، وقد توغل في جسده الوجع، وصعوبة اتمام المناسك، شدّ على عكازته وقال له بكل لينٍ بلهجته الحساوية: «وكلني عندك يا حجّي ولا عليك».. دون أية حفنة مالٍ مسترجعة، إلا بكلمة مستوحاة بالدعاء الجليل.

فهل تذكر يا عم عبد الله الحاجي محمد وحسن الدهنين من الهفوف، وأبو سعد السيحان من قرية الفضول، وأبو يحيى الصقر من الشهارين، وحجي الديرم من الجبيل، وأبو علي المنسف من السيايرة، وسادة الحداد من العمران، وحملة شيبة بالطرف، وحملة الكريمي بالحليلة؟

أم أن حملة المرحوم السيد محمد غدير «العلي» ألهبت خاطرك، وتسيدت نواظرك، وأرفلت عليك من تمر المطيرفي رقتها، وحلاوتها، ولونها، وفحواها ونجواها؟

أجل، قد أحللت من إحرامك للعمرة المفردة في حج عام ١٤٠٩هـ مع حملة أخرى بالتقدم لأداء الأعمال، وما إن رأيت حجاج حملة عضيدك إلا وأتممت معهم المقام لثلاث دفعات متتالية، دون كللٍ يذكر، أو مللٍ ينخر.. ليكون في ثغرك الباسم أربع تميرات التمام، والصلاة على خير الأنام.

أنا أعرف بأنه طال بنا المقام، وما ذاك الشاي المخدر الرقراق إلا مستوحىً على «صندقچة» يد ذاك الصفار القريني الأصيل في شارع الحدايد بهفوف الأحساء.. فرفقاً بنا يا مشلح الطاعة، وكرم الاستطاعة بالقرى ورداء الطين..

فحقاً، كتابة الدار أولى من الجوار بإرسال الورد وبهاء المديح.