ثلاثة رواد يشاركون تجاربهم التطوعية بمشكاة

شبكة أم الحمام

أقام مركز «مشكاة للتنمية البشرية» بصفوى أمسية «نماذج ناجحة في العمل التطوعي» مساء يوم الأربعاء المنصرم بمناسبة يوم التطوع العالمي، باستضافة كل من: الشيخ يوسف المهدي رائد العمل التطوعي بمدينة صفوى منذ أكثر من «٤٠» عاماً، والمهندس سمير الناصر الرئيس السابق لنادي الصفا، والشيخ صالح محمد آل إبراهيم مؤسس ورئيس مركز البيت السعيد.

وافتتحت الأمسية التي أقيمت في مسجد الصديقة الزهراء بصفوى وتميزّت بالشفافية والجرأة وحضور عدد كبير من ممثلي الجهات التطوعية بتعريف مدير حوارها السيد مصطفى علوي الصفواني بالمشاركين وإنجازاتهم وبالمشاريع والنشاطات التطوعية التي ساهموا في تأسيسها وإدارتها ودعمها، واختتمت الأمسية بتكريم المركز للضيوف المشاركين، وتكريم إدارة المسجد لفريق السباحة بنادي الصفا في مبادرة اجتماعية رائدة تقديراً لإنجازهم التاريخي بالفوز بستة كؤوس و«٨٦» ميدالية في بطولة المملكة الأخيرة.

وأجمع المشاركون على أن الضرورة الاجتماعية الملحّة الآن هي الاهتمام بإطلاق ودعم المبادرات التي تسعى لتقوية وتطوير العمل التطوعي بمختلف أشكاله الاجتماعية والثقافية والدينية، عبر: تدريب منسوبيه وإدارييه لرفع الأداء، ومدّه بالعناصر البشرية المؤهلة والكفوءة حيث تضج مؤسسات المجتمع من قلة المتطوعين، وتحديد الأولويات ودراسة التحديات والثغرات الاجتماعية ورسم الحلول الممكنة، والتنسيق والتلاقي بين مختلف المؤسسات التطوعية لتكامل الرؤى والمخرجات ومشاركة الموارد وتجنب الهدر والتكرار غير اللازم وحلحلة الخلافات، ونشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع.

ويجدر بالذكر بأن «مشكاة للتنمية البشرية» كان قد تأسس لتحقيق هذه الغايات المنشودة عبر المساهمة في تنظيم وتطوير ومأسسة العمل التطوعي بشكل حقيقي ورفع جودته وأدائه وضخ الدماء الجديدة فيه ودراسة مساراته وثغراته، إدراكاً من المركز بمحورية هذه الأدوار، وغياب الجهات الأهليّة التي تعنى بالقيام بها بشكل جدّي ومؤثر.

وفي هذا الصدد انتقد الشيخ المهدي “غفلة الناس عن العمل التطوعي حيث أن خدمة الناس هي عبادة لا تقل أجراً وفضلاً عن الصوم والصلاة والحج والزيارة إن لم يكن ثوابها أكثر من هذه المستحبات التي يحرص الناس عادة - والمتدينون منهم خصوصاً - على أدائها وهي أمور حسنة وجميلة، ولكن قد يكون الإنسان مأثوماً لتركه الواجب وهو يحسب أنه يحسن صنعاً بعدم تفويته للمستحب، فهذا خلل في الوعي يجب تصحيحه، فالعمل التطوعي قبل أن يكون إنسانيّاً فهو عمل ديني ونفع كبير للمجتمع! ”.

وأرجع سبب هذا العزوف لتزايد الانشغالات اليومية التي ابتلي بها المجتمع بشكل كبير، إضافة لحب الذات وصرف ما بقي من الوقت في الترفيه وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأكّد على أهمية رفع مستوى الوعي الشبابي لأهمية التطوع وانعكاساته على المتطوع وعلى نفسيته وحياته وآخرته، مبدياً استعداده لاستضافة أي لقاء يهدف لإطلاق أي مبادرة واضحة لخدمة المجتمع بشكل جاد.

وأضاف أن: “من أهم مهارات القائد في استقطاب المتطوعين هو نشر الوعي الاجتماعي بأهمية التطوع من الجانب الاجتماعي والديني والنفسي، إضافة لمقدرته على اكتشاف الكفاءات في أوساط الناس عبر الاقتراب من الساحة الاجتماعية ومخالطة الناس فإنه لا يخلو أي مجتمع من الطاقات والكفاءات، والتنظيم الذي هو سر النجاح الذي يفتقده البعض في العمل التطوعي، ومهارة إدارة الخلافات والتحكم بها بلحاظ أن هذه المؤسسات غير ربحية وبالتالي قد يتعذّر إلزام المتطوعين فيها بالنظام بحذافيره فهذا بحاجة لثقافة وتربية معينة”.

وعلّق الشيخ آل إبراهيم ببيان أهمية وضوح الأهداف، وتحديد الفئة المستهدفة التي على ضوئها يحدد الأسلوب والنشاط الذي يخدمها، والتخطيط الاستراتيجي لتحقيق هذه الأهداف، ووضع خطط تفصيلية لكل برنامج، ثم قياس تحقق الأهداف عبر عدة سبل كالاستبانات وتقييم الجمهور. كما تطرق لمحورية دور الإدارة الكفؤ، فهي تضمن نجاح العمل عندما توجه، وتخطط، وتدير وتحل الخلافات بحكمة وإتقان. وأوضح أن معيار نجاح مؤسسات العمل التطوعي هو جودة وقيمة وأثر خدماتها في المجتمع، وأكّد على ضرورة الحرص على التطوير المستمر في المضمون والأدوات والأسلوب لمواكبة تطور الحياة.

بينما ناقش المهندس الناصر بأسلوب واضح وجريء بعض العقبات التي تعترض العمل التطوعي من تعقيد بعض الإجراءات الإدارية التي قد تكون حاجزاً أمام تنفيذ بعض النشاطات، وعدم التقاء إداريي العمل التطوعي كثيراً لتجسير الفوارق وتشارك المصادر. كما شدّد على ضرورة التحلي بالأخلاق العالية، والمتابعة الدؤوبة، ووضوح الرؤية، ووضع الخطط المستقبلية للمؤسسة في مسارات متعددة، وكل هذه العناصر تساعد على تخطّي معضلة عزوف الكفاءات وتجاوز عقبة عدم وجود “العقاب” في العمل التطوعي. كما أن تقديم مختلف أنواع الخدمات للمجتمع حتى فيما لا يقع في نطاق التخصص الدقيق للمؤسسة، هو مما يذيب الحواجز بينها وبين المجتمع، مستشهداً ببعض خدمات نادي الصفا للبلدة.

وفي إجابته على أحد الأسئلة الموجهة من قبل الجمهور حول ما إذا كانت إدارات الأعمال التطوعية هي ما يسبب عزوف الشباب عن التطوع، قال الناصر أن: السبب الأساس هم الشباب، فهم يستطيعون إجبار الإدارات على تغيير مسارها، وقد يكون للإدارات دور أيضاً في عزوف الشباب في الوقت ذاته.

وأضاف الشيخ آل إبراهيم أن من أهم المعوّقات هو عدم توفر الإمكانات المادية، والمقار، وشحّة الكفاءات المتخصصة المتطوعة، وقلة الإقبال والتفاعل الاجتماعي على هذه النشاطات، ولكن كل عائق يمكن تجاوزه بخطوات وآليات معينة، ومن أهمها نشر ثقافة التطوع على المستوى العام من منابر دينية ووسائل إعلام وغيرها.

وحذّر من تبديد الجهود في المشاريع المكرّرة دون حاجة ماسّة لذلك ركوناً لسهولة التنفيذ وإقبال الناس، فهي مما يؤدي لضياع المواهب والإمكانات التي يمكن صبّها في مشاريع تشتد الحاجة لها لكنها لا تجد من يتصدّى للاهتمام بها، فوجود هذه المؤسسات هو ثروة لمجتمعنا، مشيراً إلى افتقادنا إلى جهة مشرفة على العمل التطوعي تحدّ من التعارض أو تركيز الجهود في مجالات محدودة بينما تخلو بقية المجالات من المتصدين، مشيداً ببعض التجارب الناجحة في هذا المجال في دولتي الإمارات العربية المتحدة والكويت الشقيقتين.

وعقّب الشيخ المهدي على ذلك بالتأكيد على ضرورة دراسة مشاكل ومتطلبات المؤسسات الاجتماعية وحاجات المجتمع والتنظير لمؤسسات جديدة لتنظيم العمل التطوعي، فلا تزال هنالك نقاط فراغ كثيرة بينما يحصل التكرار في مجالات يوجد من يتصدى لها بنسبة أو بأخرى. وعلّق على إحدى مداخلات الجمهور بالقول: “لو أردنا تأسيس مؤسسة جديدة في المجتمع لكانت أّولى المبادرات هي تأسيس لجان لإصلاح ذات البين لحلحلة المشاكل بين المؤسسات والجهات الاجتماعية المختلفة، وهذه إحدى نقاط الفراغ في مجتمعنا التي تحتاج للتصدي، فنحن غير فاعلين في حل هذه المشاكل وأحد الأسباب هو عدم وجود هكذا جهات”.

ونصح المهندس الناصر المؤسسات التطوعية بالاستفادة من البنى التحتية الضخمة للمؤسسات الرسميّة كالنادي والجمعية الخيرية، فهناك إمكانية أن تنظوي تحت مظلتها لجان كثيرة مختلفة، ومن شأن ذلك أن يساهم في تقوية العمل ومشاركة الموارد وإيصال الصوت للمجتمع والجهات الرسمية وتدارك النواقص بدل التكرار غير الضروري مع الحفاظ على الحريّة التامة وحفظ جهود المتطوعين، فخدمة المجتمع تحت أي ستار هي الغاية ولا يهم أن تكون باسم النادي أو الجمعية أو هذه المؤسسة أو تلك.

وحول أهمية الانطلاقة المبكرة في العمل التطوعي، ذكر الشيخ المهدي أنه انخرط في العمل التطوعي منذ أن كان طالباً في المدرسة حيث نشط في جمع التبرعات للجمعية الخيرية وصولاً لأسواق وتجّار وطرقات مدينة الدمام، ثم واصل نشاطه التطوعي خلال دراسته الدينية في الكويت دون انقطاع حتى عودته لبلاد عام «١٤٠٠هـ» ليواصل مسيرته التطوعيّة حتى اليوم.

وعقّب المهندس الناصر، أنه كذلك اهتم بالعمل التطوعي منذ أن كان طفلاً حيث شكّل فريقاً رياضيّا خاصّاً بحيّه قبل أن يلتحق بالنادي ويتدرج فيه على مدار قرابة الـ «٤٠» عاماً، فالعمل التطوعي كما يراه الناصر “جزء منه هو توفيق من الله، ثم هو هواية ينميها الإنسان في نفسه حتى تصبح غريزة لا يستطيع أن ينسلخ عنها، وهو بحاجة إلى الصبر وتحمل الناس في سبيل خدمة المجتمع، وبالنسبة لي كان الحاج أحمد صالح الحبيب «أبو رامز» قدوة لي في هذا المجال”.

ولفت الناصر مجدّداً إلى أن “نادي الصفا ليس مركزاً رياضيّاً فقط، بل هو مؤسسة شاملة بكل ما للكلمة من معنى، وقد عقدنا شراكات مع مختلف المؤسسات الأهلية والحكومية لخدمة المجتمع بكل أشكال الخدمة”.

وفي ختام الحوار همس الناصر للشيخ المهدي باعتذاره عن اضطراره للمغادرة لإنهاء إجراءات وفاة والدته - رحمها الله - وهو الخبر الذي أخفاه طيلة الحوار متعالياً على جراحه ومتفانياً في خدمة مجتمع حتى في أحلك الظروف، ثم غادر بهدوء بينما كان الشيخ المهدي يعلن سر مغادرة الناصر للمنصة وسط تأثر عميق من الجمهور وإكباره لهذا الموقف الخالد الذي لن يغيب عن ذاكرة المجتمع بكل أطيافه.

وكانت آخر رسالة وجهها الناصر لأبناء مجتمعه في ختام حديثه هي: “أن تكونوا رسل المجتمع في خلق مؤسسات جديدة وإيصال أصواتنا للجهات المعنيّة لتحسين الكثير من الخدمات المطلوبة، فتواجد أبناء البلد حول مؤسساتهم يعطيها القوة والوجاهة للمطالبة بما يحتاجه المجتمع”.