تحديث أم ترقية؟!

في عالمِ التّقْنِيةِ نحتاجُ في أحايينَ كثيرةٍ إلى إجراءِ بعض الإصلاحاتِ والتحسيناتِ والتعديلاتِ البسيطة في البرامجِ التي يتمُّ إنتاجُهَا من قبلِ المختصين في هذا المجال، حيث يقومون بعملِ تحديثاتٍ لها بصورةٍ متكررة حسب الحاجة إلى ذلك؛ بغيةَ تلافي العيوبِ التي تظهرُ فيها أثناء استخدامها، ولتعمل تلك البرامج بصورةٍ أفضل وأداءٍ أكمل مما كانت عليه، أما إذا احتاجت إلى تعديلاتٍ جوهرية وكبيرة، أو تطلبَ الأمرُ تغييرَ إصدارها إلى إصدارٍ جديد يعملُ بشكلٍ يصلُ إلى مرحلةِ الكمال - وهو ما لا يمكن فعله - فإنهم يقومون بعملِ ترقيةٍ لها؛ كي تظهرَ بحلةٍ جديدةٍ وخالية بنسبةٍ كبيرة من أي أخطاءِ أو مشكلات.

إنَّ عمليات التغييرِ المستمرة التي نُجريها على برامجَ تشغلُ آلةً صماء لا تمتلكُ أدنى نسبةٍ من المشاعر وتكون غايتنا اللائحة الواضحة والمعلنة من تلك التغييرات هو التحسينُ والتطويرُ لعملِ البرامج التي تُشَغِّلُ تلك الآلة، إن مثلَ هذا الإجراء من عملياتِ التغييرِ المدروسة بعنايةٍ فائقةٍ يتطلبُ منا نظرةَ تأملٍ كبيرة ولحظةَ تفكرٍ عميقة نتوقفُ عندها كل حين، ويكون سؤالنا التالي هو علامةُ الاستفهامِ الكبيرةِ والعميقة التي ننطلق منها في مقالنا:

هل نحتاجُ - نحن البشر - إلى تحديثٍ أو ترقيةٍ لأنفسنا؛ بغيةَ إجراءِ بعض التغييراتِ الضرورية التي تسهمُ في تحسينِ أدائنا، وتؤدي إلى تطويرِ ذواتنا، وتجعلُ مستقبلنا أفضل وحياتنا أجمل؟!

قبلَ أنَ نجيبَ عن هذه العلامةِ الاستفهاميةِ المتشعبة، ونُحكمَ السيطرةَ عليها ونحصرها في منطقةٍ خضراء نحدقُ فيها بعينِ الجمالِ وروعةِ المكان، نقولُ ما يلي:

التغييرُ هو عمليةُ تبدلٍ وانسلاخٍ من واقعٍ آني إلى واقعِ آخر منشود في فترةٍ زمنيةٍ محددة. والتغييرُ نوعان: التغيير المخطط له والتغيير الإجباري. والإنسانُ بما يحملُ من طموحاتٍ ورغباتٍ، وبما يتعرضُ له من حوادثَ ومواقفَ ومشكلاتٍ، تتولدُ عنده مجموعةٌ من المبرراتٍ المتباينة تحفزه وتحرضه على التغيير، فيقوم على إثرها بإجراءِ عمليةِ تحديثٍ أو ترقيةٍ في سلوكه وتصرفاته؛ بغيةَ تحقيق حياةٍ أفضل بعيدة عن المللِ والروتين والبقاء في دائرةٍ ضيقة، والانطلاق في هذا الكونِ الرحيب، وكسر قضبانِ القفصِ الذي مكث فيه لفترةٍ زمنيةٍ طويلة؛ خوفًا من الفشلِ من عملية التغيير.

يقول الفيلسوفُ اليوناني هيراقليطس: «لا يخطو رجلٌ في نفس النهر مرتين أبدًا».

إن بقاءَ الإنسانِ في نفس النهر؛ ظنا منه بأنه الملاذ الآمن، قد يكونُ آمنًا لفترةٍ زمنيةٍ محدودة ومؤقتة، ولكن مع واقعِ المتغيراتِ الكثيرة والمتسارعة التي تحدثُ في حياته والتطورات الهائلة التي لا تقفُ عند حد معين، فكل ذلك كفيلٌ بأنْ يُوقِفَ جريان نهره، وهذا التوقف سيؤدي بالضرورة إلى تغييرٍ في خصائصِ ماءِ النهر، فبدلا من أن يكون صافيا ونقيا سيصبح آسنًا، وهنا عند هذه المحطةِ والمرحلة التي تُشَكِّلُ وترسمُ صورةً مزعجةً وغير مرغوبةٍ، والتي ستكثر - حتما - فيها المشكلات والعراقيل والعقبات، وتهبُّ فيها رياحُ الضغوطات، فعلى الإنسانِ وبدون ترددٍ أو ارتباكٍ وتلجلج أنْ يبادرَ إلى التغيير، لتحل محل تلك الرياح المظلمةِ رياح التغيير المدروسة، فهي الرياح الحالمة والموجهة ضد كل ما يعكر صفو الحياة، ويُبقي الإنسان بمعزلٍ عن أي تطورٍ ما من شأنه تيسير أموره وبما يضمنُ له العيشَ براحةٍ وسعادة.

التحديثُ أو الترقيةُ هما حالتان رائعتان من التغييرِ يقومُ بهما الإنسان كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وأنَّ التغييرَ الإيجابي المنشود لن يحدثَ إلا إذا توفرت فيه هذه الأمور: القرار والرغبة والإرادة والعزيمة والجهد، وإذا لم تتوفرْ تلك الأمور - والتي هي بمثابة الأعمدة التي تثبتُ البناءَ وتحميه من السقوطِ والانهيار - فإنَّ ذلك التغيير ستكونُ الهشاشةُ والضعفُ والانهيار هي كل صفاته؛ حيث إنه قد جاءَ نتيجةَ ردةِ فعلٍ غير محسوبة، وستكون عواقبه ومآلاته في مجملها سلبية، ونتائجه في عمومها غير مرضية.

وأخيرًا نضيء شمعةً في طريق التغيير تحمل هذه العبارة المقتبسة:

«من لا يتقدم يتقادم، ومن لم يتجدد يتبدد، ومن لا يتطور يتدهور».