هل عرفت اسم الثمرة؟!

عندما تصبح لديك أموال كثيرة فتأكد بأن مشكلاتك لن تنتهي، بل ستتغير نوعيتها وطرق معالجتها والتعامل معها...

بدايتنا ستكون مع عينين تحدقان في حَدَثَين يحملان تفاصيل صغيرة في مسرح الحياة الكبير، وقد كونا مشهدين يحتاجان إلى لغة الخيال كقنطرة نصل من خلالها إلى فهم واقع مؤلم أشد الألم، ولكنه واقع الحال الذي لا بد لنا من نقده وتسليط الضوء عليه؛ لنكتشف الخلل ثم نعالجه، لنعيد صياغة المشهدين بصورة أخرى مغايرة، ونخرجهما إخراجا جميلا ترتضيه نفوسنا التواقة إلى إعطاء قيمة أكبر لكل شيء نملكه، ويكون هدفنا هو تعهد تلك الثمرة بالرعاية والعناية حتى تنمو وتكبر وتزدهر وتنضج ويحين وقت قطافها.

لن أنبئك بِاسْمِ الثمرة حتى تنتهي من رؤية المشهدين بعيون فاحصة متأملة، وهما بالترتيب التالي حسب رؤية المخرج:

المشهد الأول: وهو جالس يرتشف قدحا من القهوة في مكان متواضع بسيط، وينظر بعيدا هناك إلى ذلك الرجل الذي يكركر ضحكا في ذلك المكان الفاخر والفاره، ويقول لنفسه متحسرا: لو أني مكانه لكنت أكثر سعادة ولنعمت بالراحة...

المشهد الثاني: وهو يكركر ضحكا في مكانه الفخم، ثم يتوقف فجأة عن ضحكه وينظر بعيدا هناك إليه وهو في مكانه المتواضع، ويقول لنفسه متحسرا: لو كنت مكانه لكنت أكثر سعادة ولنعمت بالراحة...

انتهى المشهدان!

والآن خذ لك قسطا من الراحة وتنفس بعمق، ثم امنح نفسك برهة زمنية تتأمل فيها تفاصيل المشهدين، بعدها تعال معي وبصفاء ذهني تام؛ لنتحاور في المغزى وراء ذلك والحلول الممكنة؛ حتى نقطف الثمرة، ولكن هل عرفت اسم الثمرة؟!

حينما ننظر بعيون وقد أحاط بها الغبش، فهي لا ترى الحقيقة بكامل تفاصيلها، حينما نعتقد أن الناس كل الناس سعداء إلا نحن، وأنهم هم الوحيدون الذين يعيشون مرفهين منعمين، فيذهبون إلى أفخم الأماكن ويشترون أغلى الأشياء، ويفعلون كل ما يحلو لهم؛ لأنهم يمتلكون كل شيء، حينما تتحول الحقيقة الواقعية التي من المفترض لنا أن نحياها إلى حقيقة افتراضية نشاهدها فقط خلف الشاشات وبين أحضان برامج السوشيال ميديا، ونعتقد أن هذه هي الحياة التي يجب أن نعيشها ولا نرضى بأقل منها ولو قيد أنملة، عندما يحدث ذلك كله تفارقنا السعادة ودون سابق إنذار وإلى غير رجعة، وتموت لدينا ركيزة أساسية من ركائزها والتي بدونها لن نحظى بأي نوع من السرور والبهجة والفرح، هذه الركيزة هي «القناعة» بمفهومها الدقيق الذي يشمل الرضا وترك التشوُّف إلى المفقود والاستغناء بالموجود، وهي تشكل ضلعا مهما وجليلا من أضلاع السعادة الحقيقية، وهي الثمرة التي كان من الواجب علينا أن نزرعها فينا كبذرةٍ نفيسة، ثم نتعهدها بالرعاية والاهتمام، إلى أن تنمو وتكبر وتنضج ويحين وقت قطافها، فتتدلى لنا طواعية، ونمسكها بأناملنا؛ لتعطينا القوة اللازمة التي نواجه بها أضداد القناعة، فننعم بالراحة، ونستمتع بما لدينا ونحبه ونعرف قيمته.

المشهدان مختلفان في الصورة لكنهما متفقان في المضمون ونتيجتهما واحدة، وهما مرفوضان في عالم فطرة الإنسان السوية التي ترى أن القناعة تجعل الحياة أكثر راحة وجمالا وروعة.

وفِي ختام كلامنا نقول أن القناعة ستمنحك الراحة، وأن الراحة ستمنحك السعادة التي طالما شعرت أنها بمنأى عنك، فإذا هي قريبة منك، بل وملاصقة لروحك.

دعني أهمس في أُذنك همسة لرائعة من روائع الإمام علي بن أبي طالب يقول فيها: «ثمرة القناعة الراحة».

أظنك الآن عرفت اسم الثمرة!