هل سيتغير المجتمع السعودي بعد كورونا؟

يبدو أن العالم بأسره لن يكون كما كان قبل وباء كورونا، لن يكون كذلك على الإطلاق، بل سيتغير في الكثير من ملامحه وتفاصيله، فهذه الجائحة البغيضة التي عطّلت حركة الحياة وأزهقت الآلاف من الأرواح وتسببت في خسائر بالمليارات، هي باختصار شديد: أمسكت بعقارب الزمان والمكان وسرقت مفاتيح الطمأنينة والأمان.

في المقالين السابقين تناولت العديد من الأفكار والثقافات والعادات والسلوكيات والسياسات والاستراتيجيات التي آن لها أن تتغير أو تُصاغ من جديد، على الصعيدين العالمي والوطني.

أما في هذا المقال، فسوف أتناول بشيء من الاختصار والاختزال بعض الأفكار والثقافات والعادات والتقاليد والسلوكيات التي يجب أن تتغير أو تُرشّد في المجتمع السعودي لتتناسب وتتناغم مع مرحلة ما بعد وباء كورونا، لكي يكون مجتمعنا أكثر قوة وصلابة ومرونة حينما يواجه أزمة أو كارثة أو وباءً، ولعلّ ما يؤكد ذلك هي الدروس والتجارب والشواهد الكثيرة والكبيرة والمثيرة التي أصبحت نياشين فخر للمجتمعات القوية والذكية والتي انتصرت على هذا الوباء الخطير في زمن قصير وبأقل الأضرار.

المجتمع السعودي، بحاجة ماسة لتغيير الكثير من ثقافاته وعاداته وسلوكياته، أهمها ثقافة الاستهلاك والتبذير والإسراف التي تُعدّ أبرز ملامح أفراده وأسره ومجموعاته، وهي ثقافة سلبية آن لها أن تزول من فكر ومزاج المجتمع، ويتحوّل بشكل واقعي وحقيقي لثقافة الإنتاج والتصنيع لأغلب احتياجاته وأشيائه، والتقليل من الاعتماد على المطاعم للأفراد والأسر هو أحد أهم ملامح تلك الثقافة المجتمعية الضرورية، وتجربة الحظر المنزلي أثبتت بما لا يدعو للشك قيمة الطبق المنزلي الذي لا يمكن مقارنته على كافة الصعد بأطباق المطاعم.

كذلك برهن المجتمع السعودي قدرته الفائقة على تحمل المسؤولية والالتزام بالتعليمات والتحذيرات الوقائية ضد جائحة كورونا من قبل الوزارات والجهات المعنية، وعليه مواصلة هذه الحالة المتقدمة من الوعي الوطني والمسؤولية الاجتماعية ليكون مجتمعاً حضارياً ورافداً تنموياً لتطور وازدهار الوطن.

أيضاً، العديد من المهن والحرف والوظائف البسيطة التي تخلى عنها المجتمع السعودي كالحلاقة والسباكة والخياطة والخبازة والصناعات والمشغولات اليدوية وغيرها من المهن والحرف، بات من الضروري أن يتعلمها الطلاب في المدارس والجامعات والمعاهد المهنية وتُمارس بشكل عملي لتكون أشبه بالهوايات والنشاطات والفنون، بل وتتحوّل لمصادر دخل للأفراد والأسر. أما الأساليب والعادات والعلاقات المجتمعية، فهي بحاجة للكثير من التغيير والترشيد، كالمبالغة في التقبيل والأحضان في المناسبات والتجمعات والاحتفالات وغيرها من العادات والتقاليد والتي أثبتت أزمة كورونا خطرها على المجتمع الذي يُفترض أن يكون شعاره الدائم: ”التباعد الذكي عن كل الأخطار“.

كثيرة هي الأفكار والعادات والسلوكيات المجتمعية التي تستحق أن تكون عنواناً لمرحلة ما بعد كورونا، ولكن هذا ما سمحت به هذه المساحة المحدودة.. المقال القادم سيتناول التغيرات والتحولات المفترضة للمواطن السعودي بعد القضاء على جائحة كورونا.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني