جدتي والشيخ المرهون

كيف كان يمكن لجدتي لأمي فهيمة ابراهيم الشبيب المتوفاة 1397 هـ أن تصدر ديوانا شعريا في حياتها، وهي تعيش في بيئة فقيرة مشغولة بتوفير لقمة العيش التي لا تأتي إلا بشق الأنفس، فكيف لها أن تفكر، وهي امرأة، في طباعة ديوان؟  وقبل ذلك، كيف دخلت معلمة القرآن التي لم تكتب حرفا من قبل تجربة الكتابة في أخريات حياتها بيدها التي كانت تشكو من إعاقة؟

الجواب هو: الشيخ علي بن الشيخ منصور المرهون.

أتذكر وأنا  صغير كيف كان جدي معتوق أحمد الشبيب يقوم بدور الوسيط في إيصال ما تكتبه جدتي من شعر إلى سماحة العلامة الشيخ علي المرهون ليطلع عليه ويبدي رأيه فيه، خصوصا مع بدايات الكتابة، وبالأخص للشعر الفصيح. وكان دأبه رحمه الله التشجيع ثم التشجيع ثم التشجيع؛ يشجع بالكلمة الطيبة ويشجع بالنقد البناء ويشجع أخيرا بتبني العمل بنفسه والتكفل بطباعته ونشره في زمن كان الكثيرون من حوله لا يدركون قيمة ما يقوم به من عمل عظيم.

يقول في مقدمة الجزء الثاني من ديوان المرحوم الخطيب الملا حسين الشبيب الذي قام هو بجمعه ونشره في العام 1373 هـ الموافق 1954 م: لكن الموانع على اختلافها أبت إلا أن تحيل بيننا وبين التحصيل على كل ماله من المنظوم، على أن هذا الذي ترى لم يتأتً إلا بعد جهد وعناء، ولولا أن بيان الحقائق يمس ببعض العواطف لأوضحت لك أن لكل فضيلة أغيارا يحاولون غمطها والحط من كرامتها.

من يقرأ سيرة الشيخ المرهون رحمه الله سيدرك سبقه الواعي في العديد من المجالات، كإدراكه لأهمية دور المرأة في المجتمع وضرورة أن تكون لها مكانة لائقة، فقد شجع منذ وقت مبكر على إقامة صلاة الجماعة للنساء بإمامة إحداهن، وهي الحاجة شيخة محمود الشيوخ، وكذلك ما قام به ووالده سماحة العلامة الشيخ منصور المرهون رحمه الله من عمل ريادي لم يكتب له النجاح بالدعوة لتأسيس حوزة علمية في القطيف في العام 1361 هـ، حيث تعرض هو ووالده للاعتقال بسبب تلك الدعوة التي كان يراها ضرورة ملحة " تكفيكم مؤونة دينكم وتضمن الرقي لأولادكم، فترقى بهم إلى أوج الاجتهاد بعد أن كانوا في حضيض التقليد، أفتكرهون لأولادكم الوصول إلى الدرجات الرفيعة والمراتب العالية والخروج من الهمجية" .

هكذا كان يتطلع إلى الحوزة المنشودة كما قال في خطابه التعبوي التحريضي العام الذي ألقاه بكل حماسة صادقة في تلك المناسبة.

ومن يطالع خطابه هذا يستطيع أن يكون صورة عن قطيف المستقبل الذي كان يطمح الشيخ منذ وقت بعيد في وصولها إليه، قطيف تعج بالمكتبات والنوادي العلمية والمجتمعات الأدبية والمدارس، قطيف العلم والمعرفة.

 وبالطبع لم يقف الشيخ عند حدود التصورات والأمنيات بل سعى بكل إمكاناته وقدراته متجاوزا كل العقبات إلى إنجاز مشروع ريادي آخر تمثل في كتابه ( شعراء القطيف من الماضين والمعاصرين بجزءيه ) الذي ترجم فيه لمائة شاعر تقريبا، حفظ فيه الكثير من التراث الذي كاد يضيع لولا جهده وصبره ومثابرته وعزمه، حيث تحمل في سبيل ذلك الكثير.

إن الشيخ علي المرهون مدرسة ذات أبعاد مختلفة يحتاج كل منها لوقفات نأخذ منها الدروس والعبر، فهو بلا شك مفخرة من مفاخر الوطن الذي نتمنى عليه أن يخلده بإطلاق اسمه على أحد المعالم الحضارية في محافظة القطيف.

وقد أحسن الأستاذ عبد الإله التاروتي صنعا حين قام بإصدار كتاب عن سيرته في حياته بعنوان ( الشيخ علي المرهون رواية مجتمع وتجربة حياة )، كما أحسنت القطيف حين قامت بتكريمه قبل أكثر من خمس سنوات ، في رمضان 1425 هـ.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
أبوجواد قيصوم
[ القطيف أم الحمام ]: 15 / 1 / 2010م - 1:37 ص
أحسنت وأجدت ياأستاذ/ بدر أبوأحمد على هذا المقال بحق الورع الراحل الذي لم نسمع عن سيرته إلا كل خير ونأمل أن يطلق إسمه على أحد معالم القطيف لك تحياتي وتمنياتي لك بطول العمر لتبقى لي ولغيري من محبيك قدوة ونبراس ورحم الله الفقيد وحشره مع محمد وآل محمد عليهم السلام
2
بدر الشبيب
15 / 1 / 2010م - 8:32 م
الأخ العزيز الأستاذ أبو جواد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك على مرورك وتعليقك..
الشيخ الفقيد حقه لا يمكن أن نوفيه بالكلمات.. فقد قدم في سبيل رقي مجتمعه الكثير الكثير..
دمت لنا يا أبا الجواد حسينيا في ركب الحسين..
3
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 16 / 1 / 2010م - 6:16 م
اقتضت إرادة الله منذ خلق الخليقة بأن يكون هناك صراع بين الحق و الباطل فمن يبحث عن النصر لا بد بله بأن يبحث عن أسباب النصر الطبيعية. من هذه الأسباب الهامة وجود الرمز لأي مجموعة كانت فالرمز له الدور الكبير في إدارة الأمور و تحقيق الانتصار على شتى الاصعده .على هذا نحن كمجتمع فطيفي موالي لأهل البيت يجب علينا أن نهتم في صناعة هذا الرمز من خلال الالتفاف حوله و مؤازرته و دعمه في مطالبه التي تخدم المذهب و الطائفة في هذا البلاد . العلامة الشيخ علي المرهون رمز من رموز المنطقة و رقما صعبا لا يمكن تكراره. و السؤال هنا كيف يتعامل مجتمعنا مع رموزه و للأسف رموزنا في مجتمعنا أموات في حياتهم و أحياء في مماتهم. لماذا هذا الصورة المقلوبة كم كنت أتمنى أن أرى هذه الحشود التي شيعته واقفة معه عندما كان يطالب بحقوق الطائفة في هذا لبلد و كلن يسعى لتحقيق حلم بناء حوزة علميه في بلادنا و كنت أتمنى أن أرى هذه الأيدي التي تتسابق لمس نعشه الشريف أن تمد يدها لتدفع يد الظلم التي امتدت إليه و لكن للأسف كانت الأيدي مشلولة لم تستطع أن تحرك ساكنا . كم كان جميلا لو كان هذا التهافت في الثناء على الشيخ من خلال المقالات و خطب التأبين و قصائد الشعر في حياته لماذا لا تفيض قريحتنا إلا عند فوات الأوان و ينتقل محبوبنا إلى جوار ربه .
و دمت لنا قلما يعطي لكل ذي حق حقه لا يجحف الآخرين حقوقهم قلما تعودنا منهم الغيرة على المذهب و لا يتوانى في نصرة رموزه فلك مني ألف سلام و احترام.
4
ابوجعفر المسبح
[ ام الحمام المقدسة ]: 17 / 1 / 2010م - 11:49 ص
استاذي ابو أحمد

رائع كعادتك

كان الشيخ رحمه الله يتميز عن باقي المشايخ الكرام بأنه كان أبا للناس ولم تكن وظيفته الصلاة في المسجد والجلوس في المجلس فقط. ولذلك كل من ذهب لتشييعه لابد وأن شعر بأن مادفعه الى ذلك هو الحنان الأبوي الذي لازمه طوال حياته.

ما أحوجنا لمثله في مجتمعنا نريد رجلا يجمع ولا يفرق و يأخذ أقل مما يعطي ويلوذ به الصغار والكبار.

وفقك الله استاذي أبا أحمد لتبيان ما خفي عن الناس من الفضائل.
5
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 17 / 1 / 2010م - 7:36 م
أخي العزيز الأستاذ المستقل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
عظم الله أجورنا جميعا في هذا الفقيد العزيز..
أتفق معك في ضرورة الالتفاف حول الرموز الخيرة في بلادنا في حياتهم حتى نستفيد من وجودهم المبارك.. فأسوأ شيء أن نتحول إلى أمة دفانة تجيد الرثاء بعد الموت وكان أولى بها أن تجيد الثناء قبل الموت..
أشكرك على هذا التواصل الفاعل ودمت بألف خير..
6
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 17 / 1 / 2010م - 7:55 م
الشاعر المبدع الأستاذ أبو جعفر المسبح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
في موكب جنازته المهيب شدتني عبارة ( الأب الحنون ) التي كانت على إحدى اللافتات والتي تعبر بصدق عن جاذبية الشيخ أبي الفرج ورعايته الأبوية..
ما أحوجنا لمنهجه الجامع وسلوكه الناصع..
أشكرك على مرورك وتعليقك.
ودمت لنا شاعرا تفاجئنا أبوذياته الرائعة.
شاعر وأديب