مع سماحة العلامة الشيخ فوزي آل سيف

شهر رمضان موسم الثقافة الدينية

يتسم شهر رمضان المبارك بأنه يحمل عدة أبعاد، وكل بعد يمثل زاوية مهمة في حياة الإنسان المسلم، وربما البعد العبادي الشعائري قد يحوز على نصيب الأسد طوال هذا الشهر الكريم، باعتبار أن شهر رمضان الفضيل بيَّنه القرآن الكريم والروايات الشريفة الواردة عن العترة الطاهرة بأنه شهر عبادة روحية وفكرية وجسدية.

وعلى رأس تلك العبادات هي شعيرة الصيام وتلاوة القرآن الكريم بالتفكر والتدبر آناء الليل وأطراف النهار، وشهر رمضان المبارك ربيع القرآن الكريم كما ورد في الأحاديث الشريفة التي تحث وتؤكد على استغلال شهر رمضان في قراءة وتلاوة كتاب الله المجيد لما يناله القارئ من الأجر والثواب المضاعف أضعافًا مضاعفة أكثر من الشهور الأخرى، وهو أمر مطلوب في أي شهر وفي أي وقت من حياة الإنسان، بل ينبغي لكل مسلم ومسلمة تخصيص وقت لتلاوة القرآن الكريم كل يوم، بل جاء النهي الشديد عن هجره، ولو بلغ من المسلم بُعده عن القرآن الكريم لمدة ثلاثة أيام يعتبره الشارع المقدس أنه هاجر لكتاب الله، والهجر يعني القطيعة أو الخصام، وهذا يأتي من باب الحرص والواجب بالاهتمام به.

وشهر رمضان المبارك يعتبر بالنسبة للقرآن الكريم هو ربيعه وأنسه وفرحه وسروره، لأن القرآن الكريم نزل في شهر رمضان المبارك كاملًا على قلب رسول الله محمد وبالخصوص في ليلته المباركة وهي ليلة القدر التي هي ليلة خير من ألف شهر، وفيها نزلت الملائكة والروح والسلام الإلهي، وهنا يتبين لنا عظمة شهر رمضان الفضيل وعظمة ليلة القدر عند الله سبحانه وتعالى.

والبعد الآخر ما يعبر عنه بالبعد الروحي، وهو يحمل درجة مهمة في حياة كل إنسان وللمسلم بالخصوص، إذ يحتاجه الأبناء لترميم وتربية ذاته الأخلاقية والفكرية، وهذا البعد الروحي يتغذى عبر تلاوة القرآن مع الخشوع القلبي، والأدعية الروحية الواردة من طرق العترة الطاهرة بأسانيدها ومتونها المعتبرة، لما تحمله هذه الأدعية من مضامين روحية عالية يحتاجها الإنسان لغسل وإزالة تلك الرواسب والشوائب العفنة من قلبه وجسده، ودور هذه الأدعية عندما يقرؤها الإنسان بخشوع وتأمل وتذلل إلى ربه سبحانه وتعالى أنها تعيده إلى الفطرة التي فطره الله عليها، وحصيلة هذا الزخم الروحي هو انعكاس إيجابي على حياة الفرد المسلم على كل صعيد.

البعد الآخر «وهو مهم أيضًا» ما يحتاجه الإنسان المسلم لكي تكتمل دورته الروحية وهو البعد الفكري، وهنا نحتاج لوقفة تأمل طويلة.

أسباب تلك الوقفة التأملية الفكرية الطويلة هي لأجل معرفة كيفية استغلال شهر رمضان المبارك في تنمية جانبنا الفكري، وفي رفع مخزوننا المعرفي الديني والثقافي، وهنا ينبغي لنا حسن اختيار منابع التزود بالفكر الديني والثقافي من مصادر فكرية متخصصة في عطائها العلمي والفكري والثقافي، لكي تضمن جودة المعلومة ومنافعها على تغيير وتطوير مفاهيمنا الدينية والثقافية، وكان لنا الحظ الوافر بأن تشرفنا بحضور دورة دينية ثقافية فكرية طوال ثلاثين ليلة رمضانية لهذا الموسم 1443 هجرية بعنوان ”عترة النبي المعصومين “ قدمها الأستاذ الحوزوي والمفكر والباحث والكاتب سماحة العلامة الشيخ فوزي آل سيف «حفظه الله».

سماحة الشيخ آل سيف شخصية غنية عن التعريف، فهو واحد من العلماء البارزين على الساحة الدينية والثقافية والفكرية، له العديد من المحاضرات المتنوعة: الدينية والتاريخية والاجتماعية المحققة والمدروسة والمباحثة بعين مجهرية تخصصية، وقد نالت محاضراته شهادات عديدة من أهل التخصص فيما قدمه طوال هذه الفترة الزمنية، فهو يعدُّ أحد صانعي الخطابة المنبرية المتميزة، إذ نال رضى أغلبية أهل التخصص والجمهور المتعدد الأطياف.

كما أن سماحته يمتلك مهارة خطابية متميزة، وبالرغم من أن أبحاثه عميقة فكريًّا فهو يتمتع بمهارة خطابية استثنائية، حيث لا يجعلك مشتتًا ذهنيًّا، ولا يُشعرك بالملل، بل لا يشعرك بالوقت، وتعيش معه لذة ومتعة فكرية بمهاراته الخطابية التي يتمتع بها سماحته، كما أنه يعد من الكتاب المتميزين فله عدة مؤلفات في مجال تخصصه الديني والتاريخي والثقافي، وقد برع فيها وأصبحت مؤلفاته مراجع علمية يرجع إليها الباحثون والكتاب وأهل التخصص، وقد نالت إعجاب كثير من الجمهور في الداخل والخارج، كما ساعدت القنوات الفضائية على توسع ونشر ما يطرحه من فكر علمي ومعرفي متميز ومتقن وفق المعايير العلمية، فعُرف في أوطان مختلفة من العالم، كما له قناة على منصة ”يوتيوب“ باسمه تجمع كل محاضراته وأنشطته الثقافية.

وسماحته يصنف من الخطباء المتميزين ومن الطراز الأول على مستوى الخطاب المنبري في وقتنا الحاضر، وما يدل على ذلك عشاقه من الجمهور المتنوع الذي يحضر بحثه بشكل منتظم كل ليلة، من طلبة العلوم الدينية وحملة الشهادات الأكاديمية من الدكتوراة وغيرها، ومن المثقفين والكتاب والنشطاء الاجتماعيين الذين يحرصون على الحضور قبل بدء المحاضرة بنصف ساعة تقريبًا، وهؤلاء لم يتفرغوا كل هذا الوقت كل ليلة إلا وهم يعلمون بمدى قيمته، ولو لم يجدوا ما يشبع شغفهم العلمي والمعرفي ويغذي عقولهم، ويرفع من رصيد مخزونهم المعرفي والعلمي، ويلامس إبداعهم الفكري لما جلسوا حتى ربع ساعة، فما بالك بالتزامهم بالحضور كل ليلة؟

أشرنا سالفًا أن عنوان هذه الدورة الثقافية الدينية والتاريخية والمحققة لهذا الموسم الرمضاني بعنوان ”عترة النبي المعصومين “ فهي دورة تقوم بتعريف مفهوم العترة الطاهرة بكل جوانبها وأبعادها الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع بيان دور الأئمة الأطهار ، ولم يقتصر على جانب محدد فقط؛ باعتبار أنهم يقومون بدور ومقام النبوة إلا أنه لا نبي بعد خاتم الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد .

إذًا، محاور هذه الدورة الثقافية الدينية والتاريخية تدور في عناوين متنوعة ومتسلسلة ومهمة كلها تصب في فكر ومعتقد الطائفة المسلمة الإمامية الاثني عشرية، بحيث لا تخرجك عن فضاء هذا العنوان، ولكي تخرج بنتيجة وبمعلومة متكاملة الأبعاد ومشبعة وموثقة بالأدلة القرآنية والشرعية والتاريخية مع بيان عناوين المراجع الدينية والتاريخية التي تسوق الباحث لصحة المعلومة، علمًا أن المحاضرة كانت تستغرق الساعة تقريبًا.

وإليكم عناوين الدورة المنهجية الثقافية، مرتبة حسب ليالي الشهر الكريم:

1 - المدخل في الليلة الأولى كان بحث ”وعترتي أهل بيتي.. فقه الحديث“.

2 - عترة الأنبياء في الأمم السابقة.

3 - حاجة الأمة للعترة والأئمة.

4 - الإمام عند أهل البيت وفي مدرسة الخلفاء.

5 - من صفات الإمام في مذهب أهل البيت.. العلم.

6 - مصادر العلم عند أئمة أهل البيت .

7 - أبو طالب والد الأئمة الاثني عشر.

8 - من صفات أئمة أهل البيت.. العصمة.

9 - لزوم العصمة في آيات القرآن والسنة.

10 - السيدة خديجة وتقديس الحياة الزوجية.

11 - ولاية أئمة أهل البيت .

12 - الإمامة والإمام في كلام عالم آل محمد.

13 - الحديث الجامع في صفات الأئمة.

14 - دور أئمة أهل البيت في حفظ وحدة الأمة.

15 - عترة النبي المصطفى في كلام الحسن المجتبى .

16 - دور الأئمة في حفظ الدين والشريعة.

17 - لماذا لم ينص القرآن على أسماء الأئمة المعصومين ؟

18 - طريق معرفة الإمام المعصوم.

19 - ليلة التذكير بجدية الإيمان.

20 - ماذا قال الصحابة في مناقب الإمام علي .

21 - الإمام علي بلسان الإمام علي .

22 - التفوق العلمي لأئمة أهل البيت .

23 - هذه الليلة كانت مخصصة لإحياء ليلة القدر.

24 - التيار المبكر ضد عترة النبي.

25 - واجب الأمة تجاه عترة النبي.

26 - مودة عترة النبي وزيارة مشاهدهم.

27 - زيارات المعصومين.. قراءة فوائدها ونصوصها.

28 - وقفة مع الزيارة الجامعة الكبيرة.

29 - دعاء أهل القبور برنامج إسلامي.

30 - الليلة الثلاثون وهي ختام هذه الجولة العلمية المباركة كانت بعنوان ”وداع الشهر وزكاة والفطر“.

وهنا يصل بنا إلى ختام الموسم الرمضاني بدورة ثقافية دينية شاملة عن ”عترة النبي“ تم بحث غالب الجوانب المعنية بمفهوم العترة ودورها الرسالي بعد أن انقطع الوحي الإلهي من السماء إلى الأرض باستمرار الحركة الرسالية التبليغية عبر صفوة من عباده الصالحين لقيادة ولحفظ الدين والشريعة المحمدية الإلهية الخاتمية حتى قيام يوم الدين.

كما نتمنى من جميع الخطباء والمبلغين أن يسلكوا نفس هذا النهج الذي سلكه سماحة العلامة آل سيف، وبالخصوص في استغلال المواسم الدينية الطويلة كموسم شهر رمضان وموسم عاشوراء، حيث يعد وينظم لهما برنامجًا دينيًّا ثقافيًّا تاريخيًّا يختص بزاوية معينة، ويندرج تحته عدة محاور أو عناوين تصب في نفس العنوان العام، لكي يصبح دورة ثقافية تخصصية تسلسلية؛ وبهذا يصبح التركيز على جانب ثقافي معين يعطي نتاجًا معرفيًّا وعلميًّا أفضل من أسلوب الشتات.

في نهاية المطاف نتوجه بالشكر الجزيل إلى سماحة العلامة والأستاذ الشيخ فوزي آل سيف، على هذا الطرح العلمي السلس والرائع والمفيد، إذ أضاف إلينا الشيء الكثير في هذا الجانب، كما زرع فينا عشق التبحر والتوسع المعرفي في هذا المجال الثقافي العقدي المهم.

كما نتقدم بالشكر الجزيل كذلك إلى إدارة مأتم العلامة الشيخ منصور آل سيف رحمه الله، المتمثلة في الأخ الوجيه الأستاذ عبد العزيز آل سيف «أبو إياد»، وأخيه سماحة الشيخ الكاتب والروائي منصور آل سيف «أبو حسام» حفظهما الله، على ما بُذل من جهد كبير بدءًا من حسن الاستقبال وكرم الضيافة والترحيب الجميل، ومن إعداد البث المباشر لكل محاضرة في كل ليلة من المجلس نفسه لمن يشق عليه الوصول.

نسأل الله لهم دوام التوفيق والسداد.

كاتب رأي، وموظف في القطاع المصرفي.