روّاد الشوشرة

 في كل مجتمع هناك الطيب والخبيث ، والجيد والرديء ، والمتسامح والحاقد ، والمتعاون والإتكالي ، والحكيم والمتهور ، والجسور والجبان ، والكريم والبخيل ، والإجتماعي والإنعزالي ، فهذه الثنائيات وما يماثلها تعتبر ضرورة مُلحّة للتكامل البشري في أي مجتمع كان ، إلاّ في " مدينة إفلاطون الفاضلة " التي حدّد ملامحها وخصائص أهلها على طريقته " الميتافيزيقية " الخاصة !! مع إحترامي لفكره السسيولوجي الذي بنى عليه رؤيته في نشأة وبناء المجتمع الفاضل . إلاّ أن هذا التباين في التركيبة التكوينية للمجتمع ساهمت في تطور العلوم الإجتماعية التي تعنى بالسلوك الإنساني ، حيث بادر علماء السلوك إلى إنتاج حزمة من البرامج التدريبية الموجهة للتخفيف من حدة التوتر الناشئة عن إحتكاك النقيضان في كافة المحاضن الإجتماعية كبيئة العمل ، والمناشط الإجتماعية التطوعية المختلفة ، ومن أهم هذه البرامج " التفاعل الإنساني في بيئة العمل ، ومهارات التفاعل في فرق العمل ، وكيف تتعامل مع أصحاب الطباع الصعبة ، وإدارة المتناقضات ، والتعامل مع الضغوط ، والذكاء العاطفي ، والمهارات السبع لذوي الفعالية الفائقة ، ومفاتيح الإتصال الفعال " وغيرها من البرامج التدريبية التي تساعد الفرد على العيش المشترك ، وتقبل الآخرين بما هم عليه من علل .

 ولكن بالرغم من كل ذلك تبقى النفس البشرية رهينة للغرائز والأهواء الشخصية ، الأمر الذي يجعلها تفقد القدرة على التحلي بروح التعاون والإنسجام مع الوسط الإجتماعي الذي تعيش بين ظهرانيه ، وتحاول جاهدة الوصول إلى أهدافها بالطرق الميكافيلية البائسة . وكما يقول المثل الإنجليزي " فرِّق تسُدْ " فلا شيء عند هؤلاء يعلو على مآربهم ، ومصالحهم  حتى ولو كان الطريق إليها لا يأتي إلاّ على هامات الآخرين ، وتشرذم المجتمع . أي مجتمع كان " البيت ، المدرسة ، النادي ، اللجان الإجتماعية ، الإستراحات ، الديوانيات ...  " !!

 هؤلاء البعض يُهللون فرحاً وإستبشاراً بأي حالة طلاق إجتماعي ، أو إجهاض مبكر لفكرة مشروع تنموي يصبُّ في خدمة الناس لا تكون لهم فيه الكلمة الطولى ، فهم غالباً       ما يتناقلون الأخبار " التافهة " ويعمدون إلى تضخيمها ، وتسويقها بطرقهم الإبداعية التي يتقنون فنونها بحرفية عالية ، حتى إذا ما وشوشت في أذنيك تخيّلت أنها الحقيقة المطلقة من شدة حُسن صياغتها الجهنمية . وتأثير وقعها النفسي على آلية الإقتناع لديك !!

 إنهم بالتحديد قد أدمنوا إستحسان " الشوشرة " لأنها ببساطة لا تحتاج إلى جهد جهيد   أو الدخول في صراع مع منظومة القيم الأخلاقية ، أو الولوج إلى عمق الحسابات المعقدة في شبكة العلاقات البينية ، أو الخوف من آثار الضبط الإجتماعي الذي يُعد من أقدم وسائل إستقامة السلوك الإنساني على مر العصور .

 إحذر من هؤلاء ، واربأ بنفسك أن تكون وقوداً لنيرانهم المستعرة ، أو رصاصة طائشة في بندقيتهم البلهاء ، قد تجد نفسك صدفة في قبضة أحدهم ، أرجوك تريّث كثيراً قبل أن تنطلي عليك أفكارهم الهابطة ، إعمل على تحديث نظامك الدفاعي بإستمرار ، لأنهم لن يعدموا وسيلة لإختراق حائط الصد الخاص بك ولو بعد حين . أتمنى لك السلامة ولهم الهداية .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - ام الحمام ]: 18 / 3 / 2010م - 1:29 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
للمشوشرين زمانهم ومكانهم وقوتهم أيضا , لذلك لن نختلف في خطرهم وأضرارهم على المجتمع بكافة فئاته , لكن ينبغي التنبه من قبل القارئ الكريم من عدم الخلط بين الشوشرة ومحاولة تحجيم الآخرين وبين النقد الهادف البناء , لأنه من الأكيد أنه ليس هناك أحد , أي أحد فوق النقد والمساءلة , خاصة من كان يعمل في الشأن العام .
عزيزي / حين يكون هناك القانون هو السيد الذي تقابله الحرية المسؤولة , حينها تضيع البوصلة من المشوشر والمخرب فأين نحن من هذا ؟
سلمت كلمتك , وزهيت أفكارك منتصرا على كل مشوشر .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
18 / 3 / 2010م - 12:01 م
أخي الكريم الأستاذ : فائق المرهون
تتصبب أحرفك ندى فتفوح بعبق تواصلك الجميل ، وتسبر غور الكلمات فتتجلى روعة تفاعلك الرشيد مع ما يُطرح من رؤى وأفكار ، وبالتأكيد ليس من أهداف المشوشر النقد الهادف وإلاّ لكان له وصفٌ آخر يليق بمقامه . أشكرك على بوحك الذي أسعد بمكنونه . ودمت فالحاً ما حييت .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية