الزواج شراكة حقيقية"4"

في الأجزاء الثلاثة السابقة تناولنا مرحلة تهيئة الأسرة للزواج, واعتبرناها هي المرحلة الأولى للزواج, حيث يتم فيها التمهيد لفكرة الزواج, وأخذ الموافق المبدئية لإدخال عضوية جديدة لكيان الأسرة, ونصحنا بعدم التسرع, والهدف من التهيئة هي تكوين علاقات إيجابية بين الأسرة والزوجة أو عضوية الزوجة, (راجع شكل 5) بعد هذا الاستذكار نكمل مشوارنا مع هذه السلسلة.
 

•  مرحلة اختيار الزوجة:الزواج شراكة حقيقية5
كثير منا حين الأقدام على الزواج يضع المعايير التي يتمناها في زوجة المستقبل, فبعضنا يفضلها ذات دين, وبعضنا يفضلها ذات حسب ونسب, أو ذات جمال, ومال, والحقيقة أن الزواج هو كقلب واحد فلهذا لا يمكن أن ينسجم الأذين والبطين الأيمن مع الأذين والبطين الأيسر إذا لم يكن بينهما نفس الخصائص, أي إذا لم يكن بينهما توافق وتكامل... والقرآن الكريم تحدث عن التوافق, حيث قال سبحانه وتعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (سورة النور:26)
(‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ‏أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(سورة النور:26)

فلهذا ما هو التوافق والتكامل وكيف يمكن تحقيقهما؟
أن المتأمل لكثير من المقدمين على الزواج ليستغرب من الإقدام المتسرع, والذي ينذر بحدوث مجموعة من المنزلقات داخل الزواج مما قد يقرب صفحات الطلاق داخل الأسرة, فمثلاً تجد خاطبًا يتقدم لخطبة فتاة تعمل في مستشفى ولكنه يريد زوجته أن تكون متفرغة له ولبيته فقط!.

أو تسمع عن فلانٍ تزوج من طالبة تدرس على حسابها الخاص ولكنه لا يستطيع تحمل أعباء الزواج فضلاً عن أعباء دراستها, هذا مع تقريره المسبق بأن تبقى زوجته ربة بيت في المستقبل!.

فلهذا غير مستغرب أن يتم الطلاق سريعًا بينهما, حيث لا يوجد توافق, فهذا الشاب يفضل الطابع التقليدي لأدوار الزوج والزوجة, في حين واقع زوجته يدخل ضمن الطابع الحديث لأدوار الزوج والزوجة, مما يشكل شرخًا واضحًا في أساس التوافق.

التوافق لا يتم بطريقة عشوائية, وإنما يتم بطريق استكشافية ومنظمة وذات أسس واقعية صادقة, بمعنى كل فرد منا يحمل خصائص تختلف عن الآخرين فلهذا من الجيد أن يقوم المقدم على الزواج باكتشاف ذاته على حقيقتها, فيعرف صفاته وسماته الشخصية, لكي يتمكن من معرفة السمات الشخصية التي تتناسب معه, وليحقق الاندماج والانسجام الحقيقي بين الزوجين.

فكل منا يمتلك فروق فردية, تعتبر هي بصمة شخصياتنا, ويرى علماء النفس أن جوانب شخصياتنا تتوزع في أربعة مناطق, كما صنفاها جوزيف لوفت وهاري انقهام, تحت مسمى (نافذة جوهاري للشخصية), وهي:
1. المنطقة المفتوحة: ما أعرفه عن ذاتي ويعرفه الآخرون عني.
2. المنطقة العمياء:ما لا أعرفه عن ذاتي ولكن يعرفه الآخرون عني.
3. المنطقة الخفية: ما أعرفه عن ذاتي ولا يعرفه الآخرون عني.
4. المنطقة المجهولة: ما لا أعرفه عن ذاتي ولا يعرفه الآخرون عني. (راجع شكل 6)
 الزواج شراكة حقيقية6

ونحن أمام هذه النافذة, ننصح الشباب المقدم على الزواج أن يخضع لاختبارات في الشخصية, تعمل على كشف الذات, والتي ستساعد بدورها على فهم الصفات التي يمكن أن تنسجم مع شخصية المقدم على مشروع الزواج, ويتم ذلك تحت إشراف متخصص في أحد مجالات علم النفس, فمثلا الشخص الذي يتصف بشخصية سريعة الغضب ننصحه بدخول دورة في إدارة الغضب, أو قراءة كتاب في إدارة الغضب, أو مشاهدة دورة في إدارة الغضب وهي كثيرة ومنتشرة على الإنترنت, أو الزواج من زوجة ذات صفات هادئة, مما يقلل من احتمالية ظهور موجات الغضب داخل الأسرة, والتي تهدد بدورها استقرار الزواج في المستقبل.

وبعد الخضوع للاختبار سيتم توسعة المنطقة المفتوحة مما ستساعد على فهم الذات على حقيقتها وعلاج مواطن الضعف, أو تقبلها على ما هي عليه, حينها يمكن للمقدم على الزواج أن يقوم بعمل توافق مع شخصيته, وإليكم مثال:

أنا سريع الغضب : بحاجة لزوجة هادئة.
أنا شخص لا يحسن إدارة المال: بحاجة لزوجة قادرة على إدارة المصاريف الاقتصادية لأسلمها زمام الاقتصاد الأسري.
أنا شخص متدين: بحاجة لزوجة ذات دين.
أنا شخص اجتماعي: بحاجة لزوجة اجتماعي.
أنا شخص لا أقبل المزاح: بحاجة لزوجة لا تكثر المزاح.
أنا شخص تقليدي: بحاجة لزوجة لا تتحدث مع الرجال الغرباء, تلبس اللباس التقليدي.
أنا شخص لا يمانع من حديث زوجته مع الغرباء خصوصًا إخواني: بحاجة لزوجة ليس لديها مانع من الحديث مع الغرباء خصوصًا ذكور عائلة الزوج!.

وهذه العملية تسهل على الزوج كثير من المعايير, ولا أنسى بعضنا يشغل تفكيره الجمال فلهذا ننصحه بعمل نفس ما عملنا في المثال السابق.
والحقيقة تقال, كلما كانت المعايير المعروضة تنسجم بشكل منطقي وواقعي بينها وبين شخصية الزوجة, كان احتمالية النجاح أكبر, ولكن قد لا تجد زوجة بنفس المواصفات التي تتناسب مع شخصيتك, فلهذا من الجيد أن تقوم بعمل هذه المعايير على شكل سلم هرمي من حيث الصفات التي لا يمكن التنازل عنها, والصفات التي إذا توفت كانت داعمة لنجاح الزواج.

أما بخصوص عمل الزوجة, فهذا الموضوع يدخل بشكل ضروري في معايير الزوج لزوجة المستقبل, حيث بعضنا يفضلها عاملة, وبعضنا يفضلها غير عاملة, وبعضنا لا يمانع بأن تكون عاملة, وهذا الموضوع يحتاج لجزء كامل ولهذا سنناقش في الجزء القادم موضوع عمل الزوجة!.... فانتظرونا!

طالب ماجستير في الإرشاد النفسي