القيادة الإجتماعية بين الخصومة والنديّة

• هل القيادة الإجتماعية يجب أن تكون في قبضة أفراد بعينهم دون آخرين ؟ 
• وهل هي حكراً على من جيوبهم عامرة سافرة ؟
• وما هي مواصفات القائد الإجتماعي الصالح ؟
• ثم هل القيادة الإجتماعية يتم توريثها ، أم أنها متاحة أمام الجميع ؟
• وكيف يتأتى لأي فرد في المجتمع لا ينتمي لأي " تكتل " أن يحوز على هذه القيادة ؟
• ومن هو المسؤول عن إعداد القادة الإجتماعيين ؟ أم أنهم يُولدون كذلك ؟
• وهل أن كل ندية أو تنافس لحيازة هذه القيادة يُعبِّر عن " خصومة " للمجتمع ؟
• وفي المقابل لماذا يتهيّب بعض المؤهلين للقيادة من التقدم لخطبتها على أقل تقدير ؟
• وما هو دور المجتمع إزاء دعم هذه القيادة الإجتماعية أياً كانت ؟
• وآخيراً وليس آخراً هل القيادة الإجتماعية يجب أن تولد من رحم القيادة الدينية التي نجلّ  ونحترم ؟

 أسئلة كثيرة ومتشعبة لا يمكن الإجابة عليها بشكل شافي في هذه المساحة المتاحة للتواصل والحوار ، ولكن سأحاول جاهداً ما استطعت وضع النقاط على الحروف في تفكيك هذا التشابك المزمن بين الخصومة والندية في مسألة القيادة الإجتماعية بعيداً عن الأشخاص أو التكتلات الإجتماعية ، بالرغم من عمق تأثيرها في هذا الجانب أو ذاك .   

 فالبرغم من أن معنى القيادة في بعض الأحيان يتم عرضه بشكل غير دقيق ويشوبه الكثير من الضبابية ، ويفتقر لمصفوفة الحقوق والواجبات ، ورغم إعتبارها زعامة بالمعنى شبه الخاوي وذات قيمة هامشية ، ورغم أن الكثيرين في هذا الكون يعتبرونها أداة للانفرادية والتسلط في العمل والنهج ، ورغم إعتبارها عند البعض غذاء للأطماع والأنانية . رغم كل ذلك التشويه ، فإن القيادة لها معانٍ سامية وأخرى إنسانية ، وهي في نظر العقلاء رسالة مقدسة لو أحسن من يتولى سدتها حُسن التصرف والتدبير .
  
 فالقيادة الإجتماعية لها مقوماتها التي تتمثل أكثر ما تتمثل فيه أمانة الرسالة الإجتماعية ، وإذا وجدت هذه الأمانة التي تنطوي على كثير من المسالك تمنينا ان تؤدي دورها على أحسن وجه ، والأمانة هنا تعني الإيثار ، وتغليب المصلحة المجتمعية على المصلحة الشخصية ، أو الشللية ، أو العائلية ، وغيرها من الأشكال التي تفقد صاحبها صفة القائد الأمين الحريص على أمن وسلامة المجتمع بعيداً عن كافة أشكال الإصطفافات هنا     أو هناك ، لأن المصلحة العامة هنا هي فقط التي تبقى ماثلة أمام عين القائد ولا سواها مهما تعرض للضغوط من " جماعات الضغط " القريبة منه ، أو تلك التي تستطيع أن تؤثر على رؤيته تجاه الأحداث من هذه الزاوية أو تلك . 

 ومهما كان مستوى تغلغل هذه القيادة في صفوف المجتمع ، فإنها ان لم تتحلَ بالصفات والمقومات الآنفة الذكر وتعمل بجدّية لتحقيق وتطبيق ما ترتكز عليه من مفاهيم ومبادئ ، وتعمل كذلك بنوايا طيّبة ، ومقاصد نظيفة ، وطرق سليمة لا يشوبها الإعوجاج على اختلاف صوره ، فلن يُكتب لها البقاء حتماً وستحصد عاجلاً أم آجلاً ثمرة أعمالها ونواياها التي تتناقض مع الدور المناط بها .

 إن على المجتمع أن يتعامل مع القيادات الإجتماعية بموضوعية خالصة ، حيث أن بعض أفراد المجتمع يركزون على تقديس هذه القيادة أو تلك ، والهرولة وراءها بشكل أعمى في كل شاردة وواردة ، وكأنهم يقولون " قلِّدها عالمْ واطلع منها سالمْ " وهذه الطريقة في التعامل لا تنم عن الإحترام ، والمشاركة المجتمعية ، بل إنها تعكس قدراً كبيراً من الخواء النفسي ، ونقصاً واضحاً في تقدير الذات ، وإنقلاباً مهيباً في فكرة التكامل التي لا تتحقق إلاَّ بالإختلاف ، وإذكاء شعلة التفاكر " العصف الذهني " من أجل إتخاذ القرارات الفاعلة في تحقيق المصلحة العامة في المجتمع المحلي .

 إن التركيز على الأفراد " مع عظيم التقدير لمقامهم " لا يثمر ، ولا يتقدم بالمجتمع نحو الأهداف المنشودة ، بل يجعل مستقبل المجتمع مرهوناً بوجود هؤلاء الأفراد ، لأن الإيمان بالنجم المُطلق الذي " لن تلد النساءُ مثله قط " من شأنه أن يتسبب في ضرر كبير في مسألة التوارث ، أو التعاقب القيادي ، حيث سيظل المجتمع من باب الوفاء لتلك القيادة مُحافظاً على النمط القيادي الذي أسسه لهم واستحسنوه ، لأنه حسب إعتقادهم يحافظ على تماسكهم ، ويوفر لهم خيمة وارفة الظلال تقيهم من لهيب الهجير ، وغدر الزمان ، وتُفعِّل قانون الجذب الذي يؤمن لهم التلاحم والثبات والإستقرار . 

 من المهم بمكان إذا ما أراد المجتمع أن يتقدم ويتطور ، ويصبح مجتمعا قويا لا بد لذلك المجتمع من توافر قيادة حكيمة ، وأن يرتبط ذلك المجتمع بتلك القيادة ويساعدها ويتعاون معها ويقويها " ويقوِّمها " ولا يطبِّل لها ، وإن وجود علماء وخطباء مفوهين لا يغني عن وجود القيادة الإجتماعية الطبيعية ، كما أن التقليد لا يكفي وحده . لأنه يمكن له أن   " يُوّحِد الناس جسماً ، ولا يوحدهم عقلاً " فيدب الخلاف وتسود حالة من التشظي في المقلِّدين بمجرد رحيل هذا المرجع أو ذاك " ( رحم الله الفائتين منهم ، وحفظ القائمين ) بل لابد من وجود قيادة " منهم "  لها حاكمية أدبية عليهم توحِّد صفوفهم ، وتنسق جهودهم ، وتساعدهم على توجيه بوصلة تفكيرهم الجمعي إلى قبلة التسامح والإنسجام والتطور والرقي . ولست أنتقص هنا من أهمية الدور الذي يلعبه " الفقيه " في حياة المجتمع ، ولكنني أعني التساند الوظيفي والتكامل العضوي بينه وبين القيادة الإجتماعية ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) سورة البقرة .

 وإذا آمنا فرضاً بأهمية القيادة الإجتماعية ، فهل يحق لمن يأنس في نفسه الكفاية والمقدرة أن يُقدم نفسه لمجتمعه لتولي دفة القيادة في هذا المجال أو ذاك ؟ أم يجب عليه أن يتجمد في مكانه حتى يمُنّ الله عليه بمن يتبناه ، ويتفضل عليه بلفتة كريمة ويضعه حيث يستحق ؟ ثم هل من الإنصاف أن ننظر لكل ندية في القيادة على أنها " خصومة " وموقفاً عدائياً من الآخرين ؟ أم أنها حق مشروع لكل فرد صالح من أبناء المجتمع ؟ أما أولئك الزاهدون في القيادة بالرغم من كفاءتهم ، فربما يؤمنون بما نصحني به ذات يوم والدي "رحمه الله " قائلاً : ( يا ابراهيم : لا تكن رأساً فإن الضربة في الرأس ) حماكم الله ، وحفظ رؤوسكم ، وطيب أوقاتكم ما حييتم .       

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 8
1
فائق المرهون
[ السعودية - القطيف ]: 7 / 4 / 2010م - 7:54 م
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
إن مفهوم القيادة أمر شائك ومناله عميق البحث , خاصة في الفكر العربي والإسلامي الذي يجنح نحو الشخصنة وعبادة الفرد , والإفراط في التبجيل أو التبخيس المطلق في حالة الخصومة , فنحن في الشرق نحب بشدة ونبغض بشدة وتلك معضلة !!
عزيزي / لاشك أن هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها في هذا البحث من سبيل .. أين هي هذه القيادة ؟ وهل من الضروري أن تتلبس القيادة بكافة أشكالها اللباس الديني لكسب ود المجتمع ؟ وهل هناك فعلا أزمة غياب في القيادة بمجتمعاتنا ؟
من الضروري المأسسة ووضع الضوابط التي تتيح للكفاءة والنزاهة لتتقدم على التوريث والعلاقات العامة وتقبيل الأكتاف في الوصول لسدة القيادة .
عزيزي / أدرت دفة في شاطئ غير مستقر ,ولكنك بحار ماهر يخشى عليك من غيرة البحارين , رعاك رب العباد .
2
عابر سبيل
[ العربية - ام الحمام ]: 8 / 4 / 2010م - 11:38 ص
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ/ إبراهيم الشيخ
تحية عطرة لكم ـ القيادة والحكمة هما عنصران متلاحمان وبهما تتم الثمرة المرجوة وهي الزعامة الصالحة الراشدة .
عزيزي المبجل أبو علي //
التاريخ مليء بالقادة ، ولكنه يندر لنا بالزعماء ( دينية ـ روحية ـ سياسية ـ اقتصادية ـ اجتماعية ... الخ ) ونرى أن الحكمة للقيادة كالنقاط على الحروف أو أكثر من ذلك ، والمسألة نسبية في هذا المعنى فكلما زادة الحكمة في القيادة كلما عظمة قيمة الزعامة والعكس صحيح .
...يتبع

---------------------

... يتبع
ونحن لا نرى في القادة المستغلين للمنصب أو المكانة المكتسبة من التكليف الوظيفي في الحياة للنفع الشخصي سوى أنهم انحرفوا عن جادة الصواب أو بداية الغرور والتسلط على رقاب العباد أو معالجة ما صاحبهم من عقد النقص بانتقاص حق الآخرين أن يأخذوا دورهم في الحياة ..والمصيبة أنهم تحولوا إلى عامل تهبيط وإسقاط لكل ما هو مشروع طموح لصنع زعامة أو حتى قيادة منتجة ، طالما هي ليست تحت مظلتهم أو مخالفة لطريقهم أو حتى لكونهم غير مستلطفين لديهم .

---------------------

يتبع ..3
. عزيزي أبو علي.. كم تمنية أن يقول الشعب دائما كلمته بكل شفافية ويختار زعامته وقيادته ويكون الميزان الحق المنصف دائما هو على وزن خادم القوم سيدهم فمن يخدم أكثر ترتفع مكانته أكثر وهذا باب التنافس الحقيقي والبقاء للأصلح ومع شديد الأسف أن ما يختاره الشعب والجمهور أصبح مرفوض وغير جدير بالتقدير والقيادة من قبل البعض طالما أنه ليس تحت مظلتهم أو وصايتهم . وكأن هذا الجمهور العريض لا يمتلك الرشد أو الحرية في اختيار مقصودة ومن يمثله ومن يراه الأصلح للقيادة. دمتم بخير
3
أبوجواد القيصوم
[ القطيف أم الحمام ]: 9 / 4 / 2010م - 3:06 ص
مقالاتك ياعزيزي الأستاذ دائما تمس الواقع المعاش فنحن نرى على المستوى الضيق في منطقتنا القيادة الإجتماعية هي في قبضة أفراد بعينهم دون آخرين حتى ولو أن الآخر يستطيع أن يملك زمام القيادة فلا يعطاها بسبب توجهه الديني أو الثقافي لكون البعض يقدس الأشخاص ويصنفهم حسب الرغبة والتوجه .. تحياتي لشخصك الكريم والسلام
4
ابراهيم بن علي الشيخ
9 / 4 / 2010م - 10:25 م
الأخ الفاضل الأستاذ : فائق المرهون
مداخلتك القيمة عكست جرأتك المعهودة في التحليل السسيولوجي لما أكتب ، وحسب ظني أن القيادة الإجتماعية ترتبط بالحالة المزاجية للناس ، والموروث الإجتماعي أكثر من إرتباطها بعنصر الكفاءة والأهلية . والشخصنة التي أشرت إليها هي لب المشكلة . حفظك الله فاعلاً ومؤثراً بفكرك المتقد .
5
ابراهيم بن علي الشيخ
9 / 4 / 2010م - 10:41 م
أخي الكريم : عابر سبيل
ما ذكرته في مداخلتك يصف بعض الواقع المُعاش ، وأعجبني جداً ربطك الموفق بين ( القيادة والخدمة ) والذي يكشف عن أهمية وجود ( القائد الخادم ) وليس القائد الحاكم بأمره . دمت خادماً لمجتمعك ، وموفقا بين أطيافه المختلفه لأنك بحق - حسب أعتقادي - وكما يبدو من مداخلتك تحمل فكراً نيِّراً مستقلاً يؤمن بمبدأ ( أهل الكفاية أولاً ) دام تواصلك الجميل .
6
ابراهيم بن علي الشيخ
9 / 4 / 2010م - 10:45 م
أخي الموفق : أبو جواد القيصوم
هذه هي الطامة الكبرى بأن يسود المبدأ الخائب الذي يقول ( أهل الثقة أولى من أهل الكفاية ) وهذا المبدأ من إختراع مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي ( ميشيل عفلق ) فلا قيادة لمن لم ينتمي ولو كان رجل زمانه . أسعدتني مداخلتك الناضجة . دمت لكل جود يالا أبا جواد .
7
عبدالله حسن
[ القطيف ]: 14 / 4 / 2010م - 1:55 ص
الجماعات الدينية في بلدتنا سيما من تدعي أن غيرها من المرجعيات تقليدية تقوم بعمل تسويق لمراجعها على غرار الشركات . فهو الراعي لمشاريعها وهو المظلة ..وهؤلاء يعملون ليل نهار ليعود الأمر عليهم بالنفع نهاية (احلب حلبا لك شطره ) ..يتاجرون باسم المجتمع وموارده بل باسم المرجع لخدمة أهدافهم الفئوية ووجاهاتهم الشخصية . التعميم خاطىء ولكن هناك تحفظ على كل من يدير مشروع ديني يتم تجييره لرعاية مرجعية معينة ..علما بأن المراجع دام عزهم لهم قدوة في أمير المؤمنين الذي لا تساوي الدنيا عنده عفطة عنز وهم أسمى من الدعايات والوجاهات الفانية
8
حسن ال عباس
[ ام الحمام - القطيف ]: 20 / 4 / 2010م - 1:53 م
فالقيادة الإجتماعية لها مقوماتها التي تتمثل أكثر ما تتمثل فيه أمانة الرسالة الإجتماعية ، وإذا وجدت هذه الأمانة التي تنطوي على كثير من المسالك تمنينا ان تؤدي دورها على أحسن وجه .

كلام من ذهب استاذنا العزيز سدد الله خطاك

القياده تعني حمل الامانه والاخلاص لهذه الامانه على اكمل وجه

كلمه تردد واعتقد انها ذات صله وهيا تعجبني كثيرا (خادم القوم سيدهم )
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية