لتكن عدسة القراء هي، سطور قلمك

الكتابةُ لذّةٌ ومُتعة،

يظلُّ القلمُ مَظهراً مِن مظاهر حضارةِ الإنسان وارتقائهِ المعرفيّ بهِ ارتقاءٌ روحيّ، ولهذا القَسمِ الإلهيّ بهِ في مُحكم كتابهِ الحَكيم قال بسم الله الرحمن الرحيم: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ». فالقلمُ واسطةُ النّقلِ المعرفيّ، وَ بمهارةْ..

فكلُّ شيءٍ في الحياة لهُ مهارةْ، للعملِ مهارة، وللدراسةِ مهارة، للتفكيرِ مهارة، وللفنّ مهارة، والتّأليفُ كذلك لهُ مهارة، والكتابةُ مهارةْ.

أنْ تكونَ صاحبَ مبدأٍ وفكرة، فَتمضي في صناعةِ حروفكَ وصياغتها بشكلٍ مِهَنيٍّ، أميناً لتلكَ الحروف الّتي سوفَ تسكبها مِن تفكيركَ وذاكرتك، خادماً لمجتمعكَ، صادقاً في نقلِ صورةِ الواقعِ والتّعبيرِ عنها، فتلكَ لعمري هي الحياة؛ حياةٌ لَك، وَ لِمن يقرأُ لك.

الكتابةُ ”تجديفٌ ضدَّ العاصفة“، أشعرُ أنّ مذاقَ الكلماتِ في فمي أقوى من كلّ الحبر المُراق على أوراقي، وأعترفُ أنّني كنتُ مُحبطاً في أيامٍ مَضت إلى درجةِ أنّ لا شيءَ يَشدُّني إلى هذا العالم كي أكتبَ له!. غيرُ أنّني وبالإلحاحِ مِن بعضِ ”الأصدقاءِ والمتابعين“ أعطوني جرعةً كبيرةً، ”مِن الإصرارِ، والمتابعة قُدماً“، فشكراً لَهم على هذه الثّقة.

وكنتُ أسألُ نَفسي دائماً لماذا، نَكتب!!؟. وَ لِمن نَكتب، لِمن لا يقراؤنَ ولا يُريدون أنْ يعرفوا ويتعلّموا مِن حولهم!.

لذا قلتُ لِنفسي أنَّ الكتابة سَفينةٌ تُسافرُ عبرَ الزّمن، فترسلُ رسائلاً مِن حاضِرنا إلى المُستقبل، وَ تزورُ الماضي فتطَّلِعُ على أفكارهِ وأشيائهِ القديمة الرّائعة!.

لهذا عندما نُريدُ أن نُبحرَ في عالمِ الكَلِمةِ وَ عالمِ الكِتابة، لا بدَّ مِن ”الموضوعيّةِ في نقل الكلمة وفي طرحِ الأفكار، أن نسعى لتحقيقِ ذلكَ بوضعِ أُسُسٍ ومعاييرٍ وأهدافٍ نستطيعُ من خلالها تحقيقَ هذا الّطموحِ، والإبداعُ في الكتابةِ والأدب، حتّى نَصل إلى“ نقطةُ الهدف.

حين عودتي طرحتُ على نفسي عدّةَ أسئلةٍ افتراضيّةٍ، لِمن نَكتبُ بالتّحديد!!؟. مَن هو يقرأ في هذا الزّمن؟ والى أيّ جيل؟ ماذا ينتظرُ منِّي هذا الجّيل حتّى أكونُ عِند حسن ظنّه؟ ما هو العنوانُ المُناسب وَالْمَوْضُوعُ الّذي يجذبهُ لِفتح مقالي لدخولٍ في، عالمه؟.

أيُّ موضوعٍ قريبٌ مِن عَقلهِ، وقلبه؟. وأيّةُ طريقةٍ مُثلى للتأثيرِ عليه؟ حتّى أشعر أنّني ساهمتُ في التّغييرِ الفكريّ وَ الاجتماعيّ المنشود منه.

وِضَعْ في الاعتبار أنّ سطورَ كلماتكَ وأحرُفها بينَ عدسةِ القُرَّاءِ الّذين يتابعونك، وَ هناكَ شرائحٌ وفئاتٌ مُتنوّعةٌ مِن المُجتمع، تَختلفُ أمزجتُها وَ َحدَقةُ عدساتها عن بعضها البعض لأنّ الكتابةُ والقراءة فنٌّ وذوقٌ عندَ مُختلف هذه الشّرائح والفئاتِ العُمريّة وخصوصاً الشّباب الّذين هُم يحتاجون منّا لوقفةٍ تُحاكي وتُتناغم سطورنا مع غاياتهم وأفكارهم، فهم فئاتٌ يُكرّسونَ جهودهم لِتطويرِ الأفكارِ الأصليّةِ، وعلينا بالشّباب الّذي يهتمُّ بهذهِ الثّقافة، وينشغلونَ بالأنشطةِ الثّقافيّةِ والاجتماعيّةِ المُختلفة، وهُم طبقةٌ مُمتدّةٌ مِن فئاتِ المُثقّفين بين أعوام ”2006م“ إلى ما فوق..

إنّ الحقلَ الثّقافي في عالمِ الكتابةِ فضاءٌ للتمايزُ الاجتماعيّ لهذهِ الفئةِ العُمريّة، وهُم الشّباب، وكونهم مثقّفينَ يتحوّلون إلى طبقةٍ مِن الفئةِ المُتعلِّمة او المؤهّلةُ معرفيّاً وثقافيّاً وأمرهم باتَ اليومَ أسهَل وأيسر بما لا يقاسُ عبرَ وسائلِ الاتّصالِ الحديثة، أذاً يجبُ أن نعرف كيف ندخلُ ”بوابةَ أفكارهم“!!.

وفي الكتابة لا يهم الكَيْف بَل الكم من الأسطرِ والمقالات الّتي نفرائها، البعضُ منها تخلو من جمالِ الكلمةِ والسّطرِ والتّعبير، وقوَّةُ الكلمةِ وصياغتها، فكلُّ شيءٍ يمتدُّ من الإنسان فهو ذاكرةُ عينٍ، ومهارةُ فكرِ، فإن انشغلَ بالأخلاق فكتبَ الأدب الجّميل، وأن انشغلَ بالأفكار فبحثَ عن السّرد والحوار الرّاقي، وأن انشغلَ بالماضي فكتبَ التّاريخ، ثمّ اشتغلَ بالمُستقبل فكتبَ كلّ ما هو جديدٌ ومُميَّزٌ من حوله.

لذا فإنّ كلّ كاتب متميز مُبدعٌ بقلمهِ المميّز والخاصُّ في نصوصِ كتاباتهِ، بحيث يُعرَف بهذا الأسلوب من خلالِ مُتابعاته، فهي تعدُّ من أُسُسِ العملِ الأدبيِّ في الكتابة. فيجب ان تختار الوقت المناسب في نشر مقالتك حتى تستطيع أن تغزو كافة العقول.

إنّ الكتابةَ المتواصلة واليوميّة مُرهِقةً جدّاً للكاتب على المستوياتِ النّفسيّةِ والجّسديّةِ والفكريّةْ، ومِن أجلِ إيجادِ وقتٍ مُناسبٍ في تخزينِ ”الفكرة“ وتحويلها إلى مادّةٍ سلسةٍ ومُستساغةٍ للقُرَّاء، وكذلك تكونُ مواكِبةً مع ”الأحداثِ السّائدة“ ومع اهتماماتِ النّاس في لحظةِ نشرها، كي يبقى الكاتبُ مُحتلّاً ”مكانتهُ“ المُتميّزة وأسلوبهُ المعهود، بين القُرَّاءِ والمتابعين وإلّا تصبح كلماتهُ حِبراً إضافيّاً تمّ حشوهُ على تلكَ الورقةِ من أجل سكبهِ على النّاس دون مراعاةِ الأذواقِ والفئاتِ العُمريّة، ويجبُ الابتعاد عن الكتاباتِ المُستهلكة، والمواضيعِ المتكرّرة.

وكي لا يصبح أسلوبهُ، ونجمهُ مع الكتّاب الّذين دخلوا عالمَ الكتابةِ مُتسلّلين من النوافد، فهؤلاء لا يعيشونَ هَمَّ القارئِ وفكرهِ وذوقه، ولا يشعرونَ شيئاً من معاناةِ الكاتب الّذي يتعبُ في إيجادِ الفكرة، وما يهمُّهم سوى بريق الشّهرة والكمُّ الهائلُ من رصيدِ المقالاتِ المكتوبة.

كثيرا من الكتاب ابتعدوا عن الساحة من أجل المحافظة على رونق وبريق أقلامهم، الاننا نحتاج أن نرضي المجتمع، وذلك من خلال أقلام تكتب صح، تكتب عن قيم ومبادئ عن قضايا في غاية الأهمية للمجتمع. أمَّا أن تبيعَ حروفها في سوق لا يرحمُ روّادَه وزائريه، وتقاذفهم بحرٌ متلاطمة أمواجُه بالأهواء وألوان الشهرة وبريق الألقاب. فهده الأقلام تكون قصيرة في عالم الكتابة مهما كثفت من تواجدها إعلاميا.

لذا أقول الكتابة تفريغٌ ”للمشاعرِ والأفكار“، ويجبُ أن نكتبَ ما يروقُ لنا من أفكار، نكتبُ عن قضايانا ورسالتنا الّتي نعيشُ من أجلها، نكتبُ لمن يعرفُ ما معنى الكتابة وكيفَ تكون.

نكتبُ لنا ولِأولادنا، لهذه الأجيال الراقية بفكرها وعلمها وبحوثها ونحن نعيش معهم هذه الطفرة العلمية التكنولوجية في صناعة الإعلام الفكري الراقي المتزن في عالم السوشل ميديا وغيرها، نكتبُ للتاريخِ والمُستقبل، نكتب لِنَفهم لنستوعب، نكتبُ لإيجادِ الحلّ، نكتبُ من أجلِ الحُبّ، من أجلِ السّلام، من أجلِ العلم، من أجلِ الوطن، من أجلِ السّماء، من أجلِ الأرض والطبيعة، من أجلِ الحلم، من أجلِ الأخلاقِ والذّوق، من أجلِ كلّ النّاس الّذين يستحقونَ الخير!!.

لأنّ ”القلم الصّادق“ لابدَّ لهُ مِن أنْ ينتصرَ يوماً ويبقى شامخاً حتّى وإن غابَ عن السّاحةِ لفترةٍ، يعود متألقا كما كانَ وأكثرُ نقاءً وعلوَّ شأن!!.

إذاً ستبقى ”الكلمة“، وسنبقى نكتُبها ما دمنا نشعر لذتها ومذاقها، وسنبقى نكتُبها ما دمنا نُفكِّر، وسنبقى نكتُبها ما دمنا نقرأ ونتعلّم، وسنبقى نكتُبها ما دمنا نرى عاداتً اجتماعيّةً مغلوطةْ لا تناسب قيمنا وعادتنا.

لِذلك فَلِيكونَ هَمُّ نبض قلمك المُجتمع، وما يتعلَّقُ من أحداثٍ عامّةٍ، في مقالتكَ تمامُ الإبانة عَن نفسك وفكرك وحسن كلماتك وقوّتها فيما تَكتب، ثمّ اترك للمُتَلقِّي أن يتلقَّى ما يتلقَّاه، وللمتذوِّق أن يتذوَّق ما يَشتهي، وللناقدِ أن ينقُدَ ما يرتأى، ”وكلٌّ يَرى بعدسةِ عيناه“!!.

مُجتمعُنا مليٌء بالقضايا المُعقّدة التّي تحتاجُ إلى المزيدِ من تسليطِ الضّوءِ والشّرح والتّفعيل، كما تحتوي على جوانبٍ تحتاجُ الكثير من النّقدِ والتّشريح والتّحذير، وهذه مساحةٌ حُرّةٌ لِكلِّ كاتبٍ ليشرحَ وجهةَ نظرهِ، ويضعَ أفكارهُ بما فيهِ خيرَ المجتمعاتِ في شتّى المجالات..

«وكلُّ مقالٍ يُعبّرُ عَن، كَاتِبِهِ»

وخصوصاً فيما يخصُّ شريحة فئاتِ الشّباب من هذا الجّيل، جيلاً بعد جيلٍ تختلفُ الأساليبُ والأفكار وفي المعتقدات، فما يراه الجّيل الحاليّ، هو أمرٌ عاديٌّ وطبيعيٌّ مُمتع، يراهُ الجّيل الّذي يسبقهُ بطريقةٍ مختلفةٍ! سواءَ كان الشّيءُ عاديّاً أو حتّى منَ الأشياءِ والأفكارِ الغريبة، رحلةٌ بين الأجيال والتصادم بينهما سيبقى أمرٌ قائمٌ، وجدليٌّ عبرَ الأزمنةِ والعصور.

الخُلاصةُ في هذهِ المقالة:

إنِّ الكتابةَ ”لِذَّةٌ ومُتعةٌ وهي مَوهِبَةْ + فِكر وَعي الكاتِب والّلغةِ والخَيال والقراءةُ المستمرِّة، والإلمامُ بعناصرِ الجِّنس والاحساس الّذي يكتبُ فيهْ“.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية