الإجازة الصيفية وبناء الذات

تعد الإجازة الصيفية من المحطات الضرورية التي ينبغي أن يقف عندها الانسان، والتي تنقل الطلاب والشباب من هموم الدراسة والمذاكرة، إلى الترويح عن النفس وممارسة الأعمال والأنشطة التطوعية والرياضية والفنية وما شابه ذلك، والذي يستطيع الطلاب أن يستثمروها في صقل خبراتهم ومواهبهم، وبلورة كفاءاتهم، واكتساب المهارات الجديدة، سواء كانت مهارة حياتية أو علمية أو فنية أو رياضية.

إن المجتمع مع الإجازة الصيفية ينقسم إلى صنفين؛ فهناك من يستغل الإجازة ويستثمرها بشكل إيجابي ومريح وبذكاء بحيث يصقل موهبته وينميها ويختار الطريقة المحببة له من حيث الرغبة في إيجاد مناخ لذلك، وهناك من لا يعرف كيف يقوم باستغلالها بالشكل اللائق به أو بأسرته فتمر عليه الإجازة دون أية فائدة تذكر.

وتختلف طرق استثمار الإجازات سابقًا عن الوقت الحاضر، ولا سينا مع التغييرات والتطورات السريعة التي نشهدها اليوم في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات، فغالبية الطلاب من الشباب اليوم يقضون أوقات فراغهم في مشاهدة التلفاز أو التصفح واللهو بالهاتف، أو السهر حتى آخر ساعات الليل بين المقاهي والمنتزهات، وهذا له تأثير سلبي كبير على صحتهم وقواهم العقلية والبصرية وتنظيم أوقاتهم اليومية.

أبناؤنا اليوم بحاجة إلى اهتمامٍ أكبر من الأسرة والمجتمع كوننا نتعرض لحرب فكرية من الغرب تحاول تفكيك المبادئ والمعتقدات الاجتماعية والأسرية وتغييب الهوية الثقافية.

لذا علينا كمجتمع وأفراد الاهتمام بهذه الشريحة المهمة من الشباب من أجل احتوائهم ودمجهم في أنشطة صيفية تحافظ على مكتسباتهم واستغلال طاقاتهم وتسخيرها لنفع وطنهم ومجتمعهم. ومن خلال هذا المقال أود أن أستعرض كيفية استغلال الإجازة الصيفية للطلبة والطالبات التي إن لم تستغلها الأسرة والمجتمع الاستغلال الأمثل في توجيه الأبناء فذلك يعني أننا سمحنا للفراغ أن يسيطر على أوقاتهم فيما يضرهم ولا ينفعهم، وبالتالي لن نسير نحو حياة أفضل، بل سنسير إلى نحو الهاوية والضياع.

لذا فإن البيئة التي تتوافر له يعكسها هو كسلوك، فإما أن يكون نافعًا أو ضارًا ولأننا دائمًا نطمح ونحرص في اختيارنا الأفضل والأنسب لأبنائنا فمن واجبنا أيضًا البحث عن أشياء مفيدة لاستثمار أيام الإجازة الصيفية بشكلٍ مناسب ومثمر، وعلى الرغم من تنوع الأنشطة والفعاليات التي يمكن فيها استغلال الإجازة الصيفية للأبناء بعيدًا عن الإلكترونيات وسلبياتها إلا أننا نذكر البعض منها للفائدة.

دور الأندية الرياضية:

الأندية الرياضية هي مؤسسات تقدم خدمات وبرامج رياضية وترفيهية للمجتمع، وتهدف لتعزيز الصحة واللياقة والمهارات والقيم لدى أعضائها. وتعد الأندية الرياضية من المنشآت المهمة في فترة الإجازة الصيفية، حيث توفر للشباب والأطفال فرصة الاستمتاع بوقتهم وممارسة هواياتهم وتطوير مواهبهم في بيئة آمنة ومشجعة.

ولذا فأن تفعيل دور الأندية الرياضية والتي شعارها يبدأ «رياضي - ثقافي - اجتماعي» مهم جدًا، فأين الدور الثقافي والاجتماعي من هذه الأندية؟

نؤكد على أهمية دور الأندية والمنشآت الرياضية في جذب الشباب خصوصًا خلال فترة الصيف، وهو ما يتطلب توفير العديد من الأنشطة المناسبة للفئات العمرية.

ويبرز دور الأندية الرياضية في الإجازة الصيفية بتقديم خدمات رياضية وترفيهية متنوعة تلبي احتياجات المجتمع ورغباته، وتساهم في تحسين جودة حياته.

ويحدث تفعيل الدور البيئي في نفوس الطلاب إذا اندمجت فكرة التطوع لخدمة المجتمع من خلال هذه الأندية في الحفاظ على البيئة والقيام بأعمال تطوعية تخدم البيئة أو تزيد من الرقعة الزراعية والتشجير وغيرها.

المنتديات الثقافية:

المنتديات الثقافية هي مؤسسات تهدف لتنمية الثقافة والفكر والحوار في المجتمع، من خلال تنظيم لقاءات وندوات ومحاضرات حول موضوعات مختلفة تهم الجمهور. وتعتكد المنتديات الثقافية من المنابر الهامة للتعبير عن الآراء والأفكار والمواقف بحرية واحترام، والتفاعل مع المثقفين والخبراء من مختلف المجالات والاختصاصات.

وفي فترة الإجازة الصيفية، تزداد أهمية المنتديات الثقافية بالنسبة للطلبة، حيث توفر لهم فرصة الاستفادة من وقتهم بشكل مفيد وممتع، والتعرف على قضايا جديدة أو مستجدة، وللمشاركة في بناء المعرفة والوعي في المجتمع.

نؤكد على أهمية دور المنتديات الثقافية في تعزيز التواصل بين النخب الثقافية من مختلف مناطق الوطن، وهي بذلك تحقق هدفًا مهمًا من أهداف التواصل الوطني للتعارف بين المثقفين ولتبادل الآراء والأفكار في مهارات التواصل والحوار كما أنها تساهم في نشر الوعي في المجتمع، حيث تتيح فرصة للشباب والفتيات من الطلبة والطالبات للحوار والنقاش حول العديد من القضايا التي تهم المجتمع سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو علمية.

فعليها فتح أبوابها في فترة الصيف وخاصة للطلاب، وجلب كافة النخب الاجتماعية والفكرية والدينية والأدبية والفنية وعقد الندوات والمحاضرات التي تستقطب هذه الفئات من أجل تطوير مداركهم الفكرية والدينية والأدبية والاجتماعية بأسلوب مبسط ومفهوم.

فتح مكتبة خاصة بهم واقتناء القصص والروايات المسلية والهادفة المخصصة والمعدة بمختلف الفئات العمرية، ويمكن الحصول عليها من المكتبات العامة ويسهم هذا في تنمية المستوى والقدرات الدراسية والثقافية إذ نلاحظ أن العديد من الطلبة يبتعدون كليا عما يتعلق بالعلم والمعرفة والقراءة في فترة الإجازة، معتقدين أنها فترة راحة تامة من الدراسة والمطالعة والقراءة، وهذا الأمر يخلق فجوة كبيرة بينهم وبين الثقافة والمدرسة بحيث ينسون ما تعلموه سابقًا، ومن ثم سيؤثر على أدائهم اللاحق.

القيام بجولات سياحية لمختلف المناطق السياحية في ربوع الوطن، وزيارة المتاحف والأماكن ذات الطابع التراثي في الوطن بالتعاون مع المختصين في هذا المجال وتعريفهم بالشخصيات والرموز التي تولت بناء هذه الآثار مع تقديم شرح مبسط عن كل معلم من المعالم التراثية بما يتناسب والفئة العمرية، ويسهم ذلك في تعزيز الهوية الدينية والثقافية لديهم والتاريخية.

إذًن يمكننا أن نستنتج أن المنتديات الثقافية لها دور مهم في الإجازة الصيفية بالنسبة للطلبة، حيث تمكِّنهم من مواصلة تعلُّمهم وتطويرهم، ومن التفاعل مع المجتمع والواقع، ومن المشاركة في صناعة الثقافة والفكر.

لذاعلى الطلاب أن يدركوا قيمة الوقت وأهمية الاستفادة منه خلال الإجازة الصيفية، معرفة جيدًا وكيفية استثمار أوقاتهم الثمينة بشكل إيجابي ومناسب، من خلال وضع أهدافٍ أنشطتهم وتطوير مهارات جديدة، سواء في المجالات الاجتماعية او الثقافية أو الفنية أو الرياضية، حتى تكون هذه فرصة لهم لتطوير اهتماماتهم وإظهار مواهبهم.

إضافة إلى ذلك، يجب أن يتم توجيه الطلاب بشأن استخدام وسائل الترفيه بطريقة صحية ومتوازنة، وينبغي تشجيعهم على ممارسة النشاطات البدنية وقضاء وقت مع العائلة والأصدقاء، وفي الوقت نفسه تجنب الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وفيما أوصى به أمير المؤمنين لإبنه الإمام الحسن صلوات الله عليهما:

«يَا بُنَيَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَلذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيُحْمَدُ وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً فِي ثَلاَثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ لِمَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ».

وختام المقال:

على المجتمع أن يستوعب جيدًا أهمية التعاون في بناء العقول الواعية والراقية من خلال تفعيل الطاقات الشبابية في المجتمع والاهتمام بها وبإمكاناتها، وذلك لا يكون حتمًا إلّا من خلال استغلال أوقات الفراغ، والتشجيع على احترام الوقت والعلم وكسبه من خلال التعاون والمشاركة في الأندية الرياضية والمنتديات الثقافية، واستثمار الإجازات الصيفية بهدف حماية الشباب من الانزلاق أو الضياع خلال هذه الإجازة، فيما لا ينفعهم من حيث السهر القاتل والاختلاط بذوي النفوس المريضة التي تعرضهم وتعرض السلم الأسري والاجتماعي للخطر ثذ لا ينفع الندم.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية