للسعيدي كلمة ولمنتقديه أخرى

ما تعرض له السيد شرف السعيدي من انتقادات مرة ولاذعة بعد حفل ( العشاء الأخير ) مما حمله على اتخاذ قرار عاصف يعتزل فيه الناس وأنشطتهم ليأوي إلى كهف نفسه لعل الله يهيء له من أمره مرفقا.

أقول: ما تعرض له السيد يحتاج إلى وقفات مراجعة طويلة، ولكني سأكتفي هنا بكلمتين، واحدة له والثانية لمنتقديه، وسأبدأ بالثانية:

السيد أخطأ، هذا أمر متفق عليه، ولم يكن بالطبع المخطئ الوحيد في ذلك الحفل، بل كل من دعم وشجع وحضر مخطئ أيضا مع عدم تساويهم في الخطأ، إذ لا يستوي من شارك قبل الحفل وساهم ومن تواجد أثناءه مجاملة أو مداهنة أو تورطا كما هو الحال – فيما أظن – مع السيد السعيدي.

الجميع أخطأ لأن حفل التكريم أعطى رسائل سلبية في عدة اتجاهات؛ أقواها أن لا تثريب على من يمارس الطائفية بحقنا، وأنه مهما فعل سيلقى في نهاية مشواره الحفاوة والدروع التذكارية والضم بالأحضان وقبلات الوداع الحارة، وربما الدموع أيضا!! هل هذه طيبة زائدة أم سذاجة؟!!

نعم، السيد أخطأ إذ ما كان ينبغي له أن يحضر الحفل ولا أن يلقي فيه كلمة، لأن ذلك لا يتناسب مع مكانته الاجتماعية وقناعاته الفكرية، ومن هنا جاءته الانتقادات من كل صوب، والنقد – بشكل عام – ضروري لتقدم المجتمعات إذا استخدم بطريقة حضارية؛ ولكنه قد يشكل عامل هدم حقيقي إذا أسيء استخدامه. فالنقد الإيجابي هو الذي يركز على السلوك وليس على الشخص، ويستهدف في النهاية تصحيح الوضع الخاطئ أو إقالة العثرات بتعبير آخر، فهو ظاهرة صحية؛ أما النقد السلبي فهو على العكس من ذلك تماما، وقد تكون له آثار مدمرة.

ليس صحيحا أبدا أن ننسى في غمرة النقد تاريخ الرجل الاجتماعي لأنه أخطأ مرة واحدة، وليس صحيحا أن نستخدم الكلمات النابية والجارحة التي إثمها أكبر من نفعها. هذا أولا.

ثانيا: أعتقد أن من الأفضل الآن أن نلتفت للحاضر والمستقبل، أي أن نتوجه بانتقاداتنا لواقعنا الراهن والقضاة المعينين حديثا، إذ علينا أن نتواصل معهم لإسماعهم وجهات نظرنا بصورة مباشرة، وأن نشكرهم على كل موقف منصف وننقدهم على أي موقف سلبي. لا ينبغي أن ننتظر نهاية المطاف لنتحدث عن السلبيات والإيجابيات.

أما كلمتي للسيد السعيدي: فإني أتفهم تماما الوضع النفسي الحرج الذي تعرضت إليه بسبب ما ذكرت في رسالتك ( من تعديات شخصية وإهانات وتحقير )، وهذه ضريبة دفعها وأعظم منها المصلحون والمتصدون للعمل الاجتماعي طوال التاريخ البشري ( فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) وأعتقد أن ثقافتك لا تخونك أبدا في هذا المجال.
من وجهة نظري فإن قرارك بالانسحاب التام من الساحة الاجتماعية والأنشطة الخيرية والوطنية هو خسارة لك كما هو خسارة للمجتمع، إذ كل ما يقدم الإنسان من خير للآخرين يعود إليه كما هو مفاد الآيات الكريمة ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) و ( مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِه ) وغيرهما.

لا أظنك ستبخل على نفسك بالخير والإحسان، وننتظر عودتك لساحة العمل مجددا مستفيدا من الدروس المرة للتجربة الأخيرة.
أخيرا لكم جميعا كل الحب والتقدير،،،

شاعر وأديب