أيها الشبل/الشاب.. ماذا قدمت للحسين (ع)؟

نظن أننا عندما نحضر مجالس أبي عبد الله الحسين وبكاءنا على مصابه أننا قدمنا له خدمة والواقع أنه هو من أحيانا بإذن الله تبارك وتعالى مرتين مرة بإنقاذ أمة جده قبل أكثر من 1380سنة والمرة الثانية من خلال نهره الهادر الذي يجري كل موسم عاشوراء فضلاً عن نفحاته طوال السنة صلوات الله وسلامه عليه من خلال العطاء الروحي الذي يبعثه ذكره ودمعته المقدسة، بل حتى إطعامنا الطعام وفتح المضايف هي من بركاته ”... لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ“ «سورة الأنفال - 63».

انطلاقاً من ذلك نسأل هذا السؤال

ماذا قدمنا للإمام من مجهودنا في تخليد ذكره الذي يبقى شاهداً وليس ما أخذناه من ذكر أو ما يعود علينا بنفعٍ ظاهري «ذلك العمل الذي يكون في الخفاء ولا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى والصفوة ممن لا بد من اطلاعهم»؟

المقترحات كثيرة ولكنني أركز على واحد وهو...

المنبر الحسيني في عاشوراء يضخ كماً هائلاً من المحاضرات لماذا لا يكتب الأشبال/الشباب نصوصها «كتابة كامل المحاضرة بلا زيادة ولا نقيصة» أو ملخصاتها «ذكر أهم النقاط والأدلة» أو تحريرها «تلخيص مع تضمين ما فهمه الكاتب أو رأيه»؟

من فوائد هذا العمل:

1. اكتساب مهارة الخطيب في معالجة القضايا بأنواعها «دينية - فكرية - ثقافية - اجتماعية» خصوصاً إذا كان الخطيب من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان. فالعقل الباطن كما يقال ليس كالعقل الظاهري ف ”المدرسة التحليلية في علم النفس تؤكّد على وجود العقل الباطن عند الإنسان، ومن الواضح أن العقل واحد، ولكن له درجتين ومرحلتين: درجة الوعي: يستقبل الإنسان الأمور، فيسمع صوتًا ويعي لمن هو الصوت، ويتكلم فيعي ما يقول، ويمشي ويعي أين يمشي.. فالعقل الواعي هو الذي يلتفت إلى المعلومات الواردة على الدماغ، ويلتفت إلى الأفعال التي يمارسها. كل فعل يمارسه يلتفت إليه، ما هو هذا الفعل؟ ما هو هدفه؟ ما هي عاقبته؟ العقل الواعي هو العقل الملتفت لما يرد على الإنسان ولما يصدر من الإنسان. هناك درجة من العقل ومرتبة من العقل وراء هذا، ويعبّر عنها بالعقل اللاواعي، أو العقل في مرحلة اللاشعور، أو العقل الباطن، والمقصود من هذه المرتبة أن هناك طاقةً في النفس وقوةً من قوى النفس تختزن الأشياء، وعندما تختزن هذه الأشياء فإن الإنسان مع وجود هذه الأشياء مختزنةً في عقله ومختزنةً في قوته النفسية، إلا أنه غير ملتفت إلى هذه الأمور المخزونة عنها، فهو غافل عنها غير ملتفت إليها مع كونها مخزونةً عندها“ «1» وهذه الأشياء تؤثر على تفكيره الواعي وميوله وما إلى ذلك.

ويمكن التحكم في ما نريد تخزينه في هذه القوة الجبارة في الإنسان عن طريق الاستماع إلى الكثير من المسموعات والمرئيات منتقاة بعناية لزرع القيم وتغيير القناعات وما إلى ذلك مما ينقله المختصون في تطوير الذات.

ولتوضيح الصورة ننقل نموذج هو تعلم نطق اللغة الإنجليزية مثلاً فقد أوصى الخبراء في تعلم اللغات الحاجة إلى أن يستمع المتعلم إلى الناطقين باللغة بشكل مكثف لكي يتمكن من النطق مثلهم وهي آلية جبارة ومجربة ومن القصص في نفس المجال ينقلها أحد أساتذة علم التجويد الذي بدأ تعلم التجويد بالممارسة من خلال الإصغاء لقراء القرآن الكريم المجيدين بحيث استطاع اجتياز اختبار التجويد الشفوي وما كان يحتاجه هو معرفة المصطلحات والتعريفات فقط أي الدرس العلمي ”.. فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ“ «سورة المؤمنون 14». في جانبٍ أخر، يقول أهل الاختصاص أن الكتابة ترفع نسبة الاستفادة من المحاضرات إلى 80% ولعله أعلى بحسب براعة وذكاء المتلقي.

الخلاصة.. من خلال هذه الخطوة نحن نرسخ الفكر النقي ونصقل مهارات ونكتسب معلومات.. ”وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ“ «سورة فاطر 14».

2. إثراء المكتبة الإسلامية بالكتب التي يستفاد منها في مجالات شتى منها أنها ستكون شاهد على خصائص زماننا ونتاجاته ومستواه وتاريخه ورموزه وعلمائه مما قد يفيد الباحثين في الأزمنة القادمة. ومما يجدر ذكره أن أحد الخطباء بفضل وعي بعض المؤمنات والمؤمنين أنتج مجموعة كتب في سيرة أهل البيت لفئة مستهدفة لعله لا يتوفر لها المستوى الذي طرحه لها في كتبه كما ذكر في مقدمته. وهناك كثير من الكتب على رفوف المكاتب هي عبارة عن محاضرات تم تفريغها نصياً.

وهنا ملاحظة يجدر الوقوف عندها وهي أنه مما ينبغي التركيز عليه أن لغة الطرح لابد أن تجدد من عصر لعصر فلا يصح الاكتفاء بما كتبه علماؤنا السابقون لأن كل زمن له حاجته في النهل من هدي أهل البيت وكذلك من العلوم النافعة الأخرى..

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

فحجة أن السابقون وضحوا كل شيء لا تصمد مع ما تركه تجدد الخطاب وتطوره من آثار إيجابية ملموسة ساهمة في صيانة الأشبال والشباب بل حتى الكبار وهذا لا يعني أبداً الاستغناء عن التراث الطي يمثل عمقنا الراسخ.

3. تعزيز الوعي فيك كمتلقي وفي المجتمع سواء حضرت بشكل مباشر أو غير مباشر.

4. تشجيع العلماء والخطباء على بذل مجهود أكبر في التحضير للمادة العلمية وذلك للتطور المستمر الذي يشهده المتلقي من خلال متابعته.

5. حصانة المنابر الحسينية من يد العابثين لوجود المستمع الواعي الذي لا يمرر ما لا يقبله العقل والشرع.

على كل حال، ويمكنك أن تضيف عليه الكثير الكثير أيها العزيز.. وما يهم هو أن ذلك سيكون عمل من خلال الأخرين في خدمة الحسين كدعاء أخيك المؤمن لك في ظهر الغيب الذي لا يُرد بإذن الله تبارك وتعالى..

دمت موفقاً أيها الشبل/الشاب الحسيني...