ساق البامبو.. دروس وعبر

الدروس والعبر التي يغص بها دفتر الحياة والعمر تستحق التأمل والتدبر، بل والاستفادة والمحاكاة. ولعل التأني والتروي في إحداث التغيير وصنع النجاح من أهم وأروع تلك الدروس والعبر، ففي هذه الحياة المتسارعة بشكل لحظي وجنوني، كم نحن بحاجة ماسة وضرورية لفهم طبيعة التطور وحقيقة التغيير، بعيداً عن التسرع الذي قد يؤدي للفشل أو التقليد المباشر الذي لا يصنع تفرداً حقيقياً. نعم، الكل يبحث عن الربح والفوز والنجاح، الكل يبحث عن ذلك، وله كل الحق في ذلك، ولكن الأمور لا تتم باستخدام أدوات وآليات السرعة والحماس فقط، ولكنها تحتاج للكثير من الصبر والتروي، تماماً كما هو حال شجرة الخيزران.

‎تُعتبر شجرة الخيزران الصينية أو ما يُطلق عليها بساق البامبو، الشجرة الأكثر شهرة وإثارة على الإطلاق، فهي أشبه بسوق كبيرة ومتنوعة تجد فيها كل البضائع والحاجيات، فهناك الصيدلية والمطعم ومتجر الأثاث ومحل البناء ودكان الآلات الموسيقية وغيرها من المتاجر والمحلات. هذه الشجرة الغنية كانت أحد أهم مصادر صناعة الورق قديماً، والغذاء الرئيس للباندا الدب الصيني الشهير الذي يُخاف عليه من الانقراض، وهي من أكثر الأشجار فائدة للبيئة لأن الشجرة الواحدة منها تُنتج من الأوكسجين أكثر من أي شجرة أخرى بنسبة تزيد على 35 %، وهي أيضاً الشجرة الأكثر امتصاصاً للكربون بمعدل أربعة أضعاف بقية الشجر. وقد يبلغ طول شجرة الخيزران 30 متراً، أي ما يُعادل بناية مكونة من عشرة طوابق، وهي شجرة معمرة تنتمي لعائلة «Poaceae» والتي تضم أكثر من 1400 نوع وأكثر من 115 جنساً. ولشجرة الخيزران الصينية أنبوب طويل مزدحم بالعجائب والغرائب، ولكن طريقة نمو هذه الشجرة العجيبة هي الأكثر إثارة بين كل أنواع الأشجار في العالم، فخلال الأعوام الخمسة الأولى وبعد أن تُغرس بذرتها في الأرض لا تنمو على الإطلاق، ولا يظهر خلال كل هذه المدة الطويلة سوى برعم صغير جداً يأخذ شكلاً ملتوياً ويُجاهد خلال كل هذه الأعوام الخمسة من أجل البقاء حياً، ولكنه بعد ذلك لا يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من 30 متراً دفعة واحدة. قد لا يُصدق البعض هذا ولكن ذلك يحدث بالفعل، فخلال أول ستين شهراً تنمو جذور شجرة الخيزران أسفل التربة وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور تُشبه كثيراً مترو الأنفاق في لندن والذي أنشئ عام 1863 كأول مترو أنفاق في العالم. وخلال الأيام التسعين التالية وبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة في الأرض، تبدأ سيقان الخيزران في رحلة مجنونة من النمو لتُعانق السماء، وقد يصل معدل نموها 100 سم في اليوم الواحد، وهي بذلك تكون من أبطأ وأسرع النباتات نمواً ولكن على مرحلتين من عمرها.

‏‎هذه هي قصة شجرة الخيزران الصينية التي تُعلمنا الكثير من الدروس والعبر، لعل أهمها وأجملها أن الصبر هو الدرس الأول الذي يجب أن نُتقنه في هذه الحياة، وأن النجاح لا يحدث هكذا بين عشية وضحاها ولكنه قد يحتاج لسنوات طويلة، تماماً كما تُعلمنا هذه الشجرة الملهمة التي تستحق الإعجاب، بل والمحاكاة.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني