الثقافة بوجهها الاقتصادي

لم تعد الثقافة بمختلف أشكالها ومستوياتها مجرد قيمة إنسانية وأداة حضارية تتفاخر بها الأمم والمجتمعات، لم تعد كذلك، رغم أهمية وروعة ذلك، بل هي الآن أكثر من كل ذلك، فقد تجاوزت الثقافة كل تلك الأدوار والوظائف التقليدية كالقراءة والكتابة والنشر ومخاطبة المشاعر وصياغة القيم وغيرها من الواجبات المهمة والضرورية التي مارستها الثقافة لقرون طويلة.

لقد أصبحت الثقافة الحديثة أحد أهم العناوين الكبرى في الاقتصاد والاستثمار العالمي، وتحولت من مصدر تنوير وتأثير تُكلّف الأموال والجهود إلى مصادر تُنتج الفرص والثروات. الثقافة الآن تُمارس بعض الوظائف والأدوار العكسية أو التكاملية، حيث تُسهم في صناعة الاقتصاد وتوفير الوظائف والفرص لملايين البشر. الثقافة الآن، تُدار كما لو كانت صناعة تُنتج الكثير من السلع والبضائع، دون الإخلال طبعاً بممارسة دورها الثقافي والتنويري الذي يُعد أساسياً ومحورياً.

الثقافة الحديثة، أصبحت أحد أهم مداميك الاقتصاد العالمي ومن أكثر المنتجات والسلع التي تُفاخر بها الدول والشعوب. القطاع الثقافي بكل أدواته وآلياته يُساهم في تنوع وتعدد مصادر الدخل، لتتحول الثقافة من قطاع ينتظر الدعم والتمويل ليُنفذ مشاريعه وبرامجه الثقافية والتنويرية، إلى قطاع وجهه ناعم بملامح ثقافية وإبداعية ولكنه يُدار بشكل احترافي ومهني، تماماً كما هو الحال في الشركات والمؤسسات التجارية، الأمر الذي سيضمن الفعالية والاستمرارية، وهذا ما يحدث الآن في هيئاتنا الثقافية الرائعة ال11 التي يقودها بكل اقتدار وتميز وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان.

الثقافة الآن، بل منذ سنوات، تُمارس الكثير من الوظائف والتحولات الاقتصادية والتنموية وذلك من أجل تطوير وازدهار الوطن، وهذا ما نلمسه ونُشاهده في العديد من الأنشطة والبرامج التي تُنتجها الهيئات الثقافية المختلفة والمتنوعة والتي تُقارب الكثير من الملفات والطموحات. الآداب والفنون وكل ألوان وأشكال الثقافة، أصبحت من التروس القوية والمخزونات المهمة لعجلة التنمية الوطنية والتي تُعلّق عليها الآمال والطموحات لممارسة الكثير من الأدوار والمهام التنويرية والاقتصادية التي تُدار بفكر احترافي ونهج مهني، لأنها - الثقافة - أصبحت تتصدر قوائم القطاعات والمجالات الأكثر نمواً وتأثيراً في صنع الاقتصادات الوطنية القوية والرائدة.

كل ما سبق، مقدمة طويلة جداً حول مفهوم ”الاستثمار في الثقافة“ والتعامل معها بشكل مهني واحترافي، دون الإخلال طبعاً بكل أدوارها ومهامها التنويرية والحضارية. في المقال القادم، سأحاول قدر الإمكان، مقاربة بعض الأمثلة والتطبيقات على تحول الفكر والثقافة إلى صناعة واقتصاد.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني