الأمية الثقافية

الثقافة الواعية هنا لا أقصد بها جانبًا معينًا من جوانب الحياة، فالوعي بكل ما يدور حولنا يكون بمثابة تقوية مناعة ضد الفيروسات المعادية، الجهل من أقوى الآفات التي تطحن المجتمعات وتدمر الأفراد، وتشُلّ الحركات الثقافية وتضعف كل مقاومات الحياة، وفرص الإنسان في الحصول على حياة آمنة مستقرة.

نحن مطالبون بالوعي الثقافي ومنه الثقافة الدينية والأخلاقية وثقافة العلاقات وثقافة التعايش واحترام الآخر، وثقافة الحقوق والواجبات تجاه بعضنا البعض، والثقافة التربوية كمربين مسؤولين عن مستقبل ناشئة نمّثل لهم صروحًا شامخة يتطلعون من خلالها إلى المستقبل، كما نحتاج إلى ثقافة واعية في تدبير شؤون حياتنا.

في عالمنا المعولم نحتاج إلى اكتساب مهارات نفهم من خلالها كيف نتعامل مع خلفيات ثقافية مختلفة، فنتفاعل مع الآخرين من منطلق هذه الثقافات.

فالثقافة هنا تعني الوعي العميق والإدراك المستمر للسلوكيات والقيم والأخلاق في المجتمعات، ومراقبة الأحداث والمتغيرات، وكذلك المقدرة على التفكير النقدي والتمييز بين المعلومات الخاطئة والحقيقية، أي بين الحق والباطل والخطأ والصواب.

ولتعزيز الثقافة الواعية، سواء كانت ذاتية أو مجتمعية علينا بطرق أبواب المعرفة، وأبرزها التعليم فهو من أوسع الأبواب، فالثورة المعلوماتية في عالمنا المعاصر أتاحت للجميع فرصة التعلم الذاتي من خلال محركات البحث والذكاء الاصطناعي، الذي يعتبر أداة قوية لتحسين المستوى المعلوماتي للإنسان ليصبح أكثر إبداعًا وكفاءةً في تحقيق أهدافه والتغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجهه.

كما أن التواصل المفتوح يعزز الثقافة بشكل كبير جدًا لكونه يخلق بيئة إيجابية تسهم في الاحترام المتبادل وتقوية وترسيخ الثقة لتكون العلاقات أكثر تفاعلًا، جانب آخر لا يقل أهمية عما سبق ألا وهو القراءة والاطلاع الذي يعتبر الغذاء الفكري للإنسان، بالقراءة تتطور مهاراته اللغوية ومهارة التحدث واللباقة في الحوار، والانخراط في نقاشات هادفة وبناءة، فعندما يضع الإنسان نفسه بين دفتي الكتاب يشعر بالراحة والثراء العقلي، حيث يجد نفسه مسافرًا عبر الزمان والمكان وهو جالس في مكتبه أو غرفة نومه أو أي زاوية من منزله ليجد نفسه محاطًا بعالم من الأفكار ومنغمسًا في القصص والحكايات التي يرويها الآخرون بأسلوبهم وبمختلف ثقافاتهم، هذا بدوره يعزز ويقوي فهمه للعالم وللآخرين.

ولتكون مجتمعاتنا أكثر وعيًا وثقافةً، لابد من فهم عدة أساسيات محورية ومهمة، منها العادات والتقاليد، اللغات، المعتقدات، القيم وغيرها مما يميز مختلف الثقافات بعضها عن بعض، فلكل ثقافة سماتها الخاصة التي تكون نسيجها الأساسي وتشكل هويتها التي تتفرد بها عن غيرها من الثقافات الأخرى، فالتعرف على هذه الثقافات يخلق بيئة ثقافية متنوعة.

ولتوطيد ذلك، لابد من العمل على محو الأمية الثقافية، والتي تشمل عدة مكونات، منها الثقافة الذاتية والوعي الذاتي، وهي معرفة الفرد لثقافته الخاصة وتأثيرها على تفكيره وسلوكياته وتصرفاته وتفاعله مع محيطه، أيضًا الانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها، والتفاعل الثقافي الفعال مع مراعاة الاختلافات الثقافية وكيف تؤثر على التواصل.

وتبرز أهمية محو الأمية الثقافية في كونها مهارة أساسية في عصر العولمة، حيث تسهم في تعزيز التفاهم العالمي بين الشعوب، وتقلل من النزاعات والصراعات الناتجة عن اختلاف الثقافات.